خطوة إيجابية ولكنها تنذر بأخطار وتستوجب الاستكمال - إبراهيم العيسوى - بوابة الشروق
السبت 28 ديسمبر 2024 5:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطوة إيجابية ولكنها تنذر بأخطار وتستوجب الاستكمال

نشر فى : الأحد 19 أغسطس 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأحد 19 أغسطس 2012 - 9:15 ص

تشكل قرارات 12 أغسطس التى أصدرها الرئيس مرسى خطوة جريئة وإيجابية فى مجملها على طريق تصحيح مسار المرحلة الانتقالية. وسواء أكانت هذه القرارات قد جاءت بالتراضى والتفاهم مع المجلس العسكرى أم أنها فاجأته مثلما فاجأت الشعب المصرى، فلا شك فى أنها لبت مطلبا مهما لقوى الثورة وهو الخلاص من الإعلان الدستورى المكمل وإنهاء حكم العسكر، كما أنها لبت ولو جزئيا مطلب تجديد قيادات مؤسسات الدولة، وذلك بتولية قيادات جديدة للقوات المسلحة. ومن هذه الزاوية فإن الإنصاف يقتضى توجيه التحية للرئيس على هذه القرارات وكذلك على القرارات التى اتخذها الأسبوع الماضى بتجديد قيادة المخابرات العامة والشرطة العسكرية والحرس الجمهورى.

 

لقد كان الإعلان الدستورى المكمل محاولة لا مبرر لها للانتقاص من سلطة الرئيس المنتخب وسبيلا لإطالة أمد الدور السياسى الذى أنيط بالمجلس العسكرى عند تنحى مبارك، وفرض نفوذه على عملية التشريع وعلى كتابة الدستور الجديد. وهو الأمر الذى أوقع البلاد فى مشكلة ازدواجية السلطة، وفى ما ترتب عليها من تجاذبات سياسية واحتمالات للصدام بين رأسين للدولة. ومن هنا فإن القرارات الرئاسية الجديدة قد وضعت حدا لهذا الخلل فى السلطة العليا للبلاد وتقدمت بالبلاد خطوة إضافية على طريق بناء الدولة المدنية التى لا يتمتع فيها الجيش بدور سياسى، كما أنها تتيح تفرغ الجيش لمهمته الأساسية فى حفظ الأمن القومى، وهى المهمة التى أثبتت مجزرة سيناء ومن قبلها حوادث أخرى كثيرة فى سيناء وكذلك التزايد الملحوظ فى عمليات التهريب وتجارة السلاح والمخدرات أنه قد طالها تقصير شديد.

 

•••

وعلى الرغم من الجانب الإيجابى للقرارات، فإنها تحمل أيضا جانبا سلبيا ينذر بالخطر. ومصدر الخطر أمران. أولهما أن الرئيس صار يقبض على زمام السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما يكفل له فرص الانفراد بالقرار ويحمل مخاطر الاستبداد بالرأى. صحيح أن الرئيس سيتولى سلطة التشريع بصفة اسثنائية ومؤقتة وذلك لحين انتخاب برلمان جديد. وهو ما يتمشى مع التقاليد الدستورية عندما يغيب البرلمان لسبب أو لآخر. ولكن اضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية لا ينبئ بموعد قاطع لانتهاء تولى الرئيس لسلطة التشريع. والأمر الثانى هو أن الرئيس قد استبقى لنفسه الصلاحية التى كان المجلس العسكرى يتمتع بها وفق الإعلان الدستورى المكمل، وهى صلاحية إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور إذا ما حال حائل دون استكمالها لمهمتها. وهو ما يحل جمعية معينة محل جمعية الأصل فيها أن تكون منتخبة سواء بطريق غير مباشر كما قضى بذلك الإعلان الدستورى الأصلى أو بطريق مباشر كما حدث فى تونس وليبيا. ويخشى من تمتع الرئيس بهذه الصلاحية أن تتشكل جمعية تأسيسية متأثرة بالانحياز العقائدى المسبق للرئيس ولا تمثل مختلف قطاعات الشعب.

 

•••

ومن هنا تأتى ضرورة استكمال الخطوة التى خطاها الرئيس بخطوات أخرى تدرأ المخاطر المحتملة التى أشرت إليها، وكذلك المخاطر التى يستشعرها الكثيرون على حرية الإعلام جراء ما اتخذه مجلس الشورى من قرارات بتعيين رؤساء تحرير جدد للصحف القومية والقرارات الإدارية العقابية بحق صحيفة وقناة إعلامية فى القطاع الخاص الإعلامى. وعلى الإجمال، فإن الخطوات التكميلية مطلوبة للإسراع بعملية تفكيك النظام القديم وبناء نظام سياسى جديد لدولة مدنية وديمقراطية. ومن أهم ما يمكن اقتراحه من هذه الخطوات ما يلى:

 

الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية جديدة تضع الدستور الجديد وتتولى فى الوقت ذاته مهمة التشريع لحين انتخاب البرلمان الجديد. فهذا الإجراء يعالج العوار الذى تعانيه الجمعية التأسيسية الحالية، ويستبق مواجهة المشكلات التى قد تترتب على احتمالات إلغاء القضاء لهذه الجمعية بناء على الطعون الكثيرة المقدمة بشأنها، كما أن هذا الإجراء يعيدنا إلى نقطة بداية صحيحة بأن يكون الشعب صاحب القرار فى تشكيل الجمعية التأسيسية، وبأن

 

يكون التشريع بيد سلطة منتخبة ولو كانت مؤقتة.

 

استكمال الخطوة التى أنجزت نحو التحول إلى الدولة المدنية بقرار إنهاء السلطة السياسية للمؤسسة العسكرية، وذلك باتخاذ إجراءات تبث الطمأنينة فى قطاعات واسعة من الشعب بأن حكم التيار الإسلامى بوجه عام والإخوان المسلمين بوجه خاص لا يعنى «أسلمة» أو «أخونة» مؤسسات الدولة، ولا يعنى وصاية أية هيئة دينية على التشريعات والقرارات. وهنا يلزم إزالة شبهة «حكم المرشد» بتسجيل جماعة الإخوان المسلمين كجمعية أهلية لا دخل لها بالشئون السياسية، ومن ثم فك الارتباط بينها وبين حزب الحرية والعدالة. كما ينبغى توخى الحرص الشديد على التنوع فى اختيار القيادات الجديدة لمؤسسات الدولة على مختلف المستويات.

 

الإسراع بتطهير أجهزة الأمن الداخلى وإعادة هيكلة الشرطة، وتخليصها من المهام التى لا صلة لها بالأمن كالمهام المتصلة بالحج والعمرة والمرور وبطاقات الرقم القومى والجوازات..إلخ، وتعزيز الشرطة بقوات بشرية ومادية إضافية تمكنها من الانتشار وبسط الأمن فى ربوع البلاد. ومازال من الوارد تنفيذ اقتراح سبق تقديمه من كثيرين بتخريج دفعات سريعة من كلية الشرطة وإلحاق عدد من خريجى كليات الحقوق بهذه الكلية لفترة قصيرة يتم تخرجهم بعدها، على أن يتم استكمال تدريبهم فيما بعد.

 

الإسراع بإغلاق ملف المدنيين المسجونين طبقا لمحاكمات عسكرية، وذلك بالإفراج عمن يظهر أنهم قد عوقبوا بغير حق وإعادة محاكمة الباقين أمام القضاء المدنى.

 

الاستجابة لمطلب تحرير الإعلام من السيطرة الحكومية من خلال وزارتى الإعلام والاستثمار أو سيطرة مجلس الشورى، وذلك بإنشاء هيئة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية للإشراف والرقابة على تطبيق ميثاق الشرف الإعلامى ومواجهة التجاوزات الإعلامية كتلك التى وقعت أخيرا وقد يقع مثلها مستقبلا، مثل المجلس الوطنى للإعلام الذى صاغ عدد من الإعلاميين مشروعا لقانون إنشائه.

 

اتخاذ إجراءات وقائية ضد الاحتجاجات العمالية والاحتجاجات المتصلة بالمظالم الاجتماعية التى تعانيها قطاعات كثيرة من الشعب. وحسنا فعل الرئيس بإنشاء ديوان المظالم. ولكن إلى جانب دعم هذا الديوان وتزويده بصلاحيات تتجاوز دور مستقبل الشكاوى ومرسل الردود عليها، يجب على أجهزة الدولة ــ وفى مقدمتها وزارة العمل ــ البحث الجدى والمبكر للمشكلات التى يعانيها العمال فى الكثير من وحدات الإنتاج والخدمات والتوسط بين العمال وأصحاب الأعمال (بما ذلك الجهات الحكومية) لحلها ولو وفق برنامج زمنى، وذلك قبل أن تتفجر المشكلات فى صورة إضرابات واعتصامات، وإقرار قانون الحريات النقابية حتى تمارس النقابات الدور المنوط بها فى المفاوضات الجماعية، حيث من المفترض ألا يضرب العمال إلا إذا فشلت هذه المفاوضات. ويضاف إلى ذلك تغيير القيادات التى تراكمت الشكاوى من فسادها أو عدم كفاءتها. وهذا أيضا كان من مطالب الكثير من المليونيات.

 

•••

 وإلى جانب ما تقدم، لا بد من الإسراع باتخاذ عدد من الإجراءات المحققة لشىء من العدالة الاجتماعية التى كانت احد المطالب الرئيسية لثورة يناير. وهنا يأتى موضوع الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور وتحويل النظام الحالى للضرائب على الدخل إلى نظام تصاعدى بحق، وفرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية المتحققة من التعاملات العقارية والمضاربات المالية، وزيادة الإنفاق العام المخصص للتعليم والصحة والإسكان الشعبى، وغير ذلك من الإجراءات المعترف بها فى النظم الرأسمالية التى يريد الرئيس وحكومته أن يحذو حذوها.

إبراهيم العيسوى  استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومى
التعليقات