فى أفضل الأحوال، لن تتعدى دعوة الصحفى شريف الشوباشى لمظاهرة «خلع الحجاب» المقرر تنظيمها فى أول جمعة من شهر مايو، مجرد كونها «فرقعة إعلامية»، ستتحول خلال أسابيع إلى «نكتة سخيفة»، فالرجل لم يبذل أى جهد فكرى او سياسى يذكر يضمن أى نجاح لدعوته، وإقناع المجتمع بجديتها، فالرجل تعامل مع هذه القضية المجتمعية المعقدة، فقهيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا، بخفة صحفية شديدة، لا تنبئ أبدا بنجاح دعوته العنترية، التى لم يأخذها أحد بجدية سوى وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة، وبعض الشخصيات والجمعيات الدينية التى تعتبر أن خلع الحجاب، حرب على الإسلام، ودعوة للفسق والفجور!
التوظيف السياسى للحجاب، كان أهم أسلحة الجماعات الإسلامية المتطرفة فى السبعينيات من القرن الماضى، حينما فتح السادات المجال العام ــ وخاصة فى الجامعات ووسائل الإعلام ــ أمام القوى الرجعية المحسوبة زورا على الإسلام لضرب التيارات المعارضة له، وتحول الحجاب واللحية إلى رمز لانتصار هذه القوى على خصومها طوال سنوات حكم مبارك المشئومة أيضا، وأنها دليل على عزة ومنعة الصحوة الإسلامية، دون أن تلاحظ هذه القوى المغيبة، أن هذه الصحوة المزعومة واكبتها أكبر عمليات فساد اقتصادى وتغييب سياسى وانحلال أخلاقى شهدتها مصر!
لم تسأل هذه القوى المتأسلمة نفسها أى سؤال كان عن علاقة هذه الصحوة المزعومة بعمليات النهب المنظم لثروات البلد خلال سنوات حكم السادات ومبارك، أو بمسلسلات الفساد الذى وصل للركب، أو بمعدلات الفقر غير المسبوقة، أو بانهيار خدمات الدولة التعليمية والصحية والثقافية..
كل ما كان يهم الإخوان المسلمين، هو عقد الصفقات مع دولة الفساد، وكان الحجاب هو المظلة التى عقدت تحتها هذه الصفقات، فالدولة تسمح للإخوان الذين تحولوا لأكبر فصيل معارض، بالدعوة للحجاب وإطلاق اللحية وغيرها من القشور الإسلامية وافتعال المعارك الساخنة حولها، فى مقابل احترام كامل «حقهم» فى إقامة امبراطوريات مالية مشبوهة، وتغاضيهم عن فساد السلطة، وأن يقودوا معارك سياسية شكلية ينفثون بها عن غضب الناس، دون أن يفكروا مجرد تفكير فى إسقاط هذه السلطة الفاسدة، وهو ربما ما يفسر تصريحات مرشد الجماعة قبيل ثورة 25 يناير بأن مبارك أب لكل المصريين، وأن من حق ابنه جمال أن يترشح للرئاسة، وهو ما يفسر أيضا معارضة قيادات الإخوان للاشتراك فى ثورة يناير فى بدايتها، والمؤكد أن معركة الإخوان مع الحجاب لم تكن خالصة لوجه الله، فالصفقات السياسية التى عقدوها مع شياطين الفساد فى عهد مبارك، وخاصة فى توزيع مقاعد البرلمان، تنفى عنهم أى إخلاص لهذه القضية..!
قد ترى بعض السيدات أن الحجاب ملزم لهن دينيا، وقد ترى أخريات انه غير ملزم، وأن الحجاب ملزم لنساء النبى صلى الله عليه وسلم فقط دون سائر نساء المسلمين، خاصة أن تغطية الشعر لم يرد لها ذكر فى القرآن الكريم، وأن آية الخمار كان المقصود منها تغطية صدر النساء لا شعرهن، وأن الحديث الذى رواه خالد بن دريك أنه سمع عن عائشة عن النبى «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت «بلغت» أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هنا»، حديث مؤكد النحل «الاختلاق» ولم يرد ذكره فى البخارى ولا صحيح مسلم، لأن خالد لم يعاصر عائشة ليأخذ منها ويروى عنها، كما ذكر المستشار محمد سعيد العشماوى رحمه الله.
ما يفعله الشوباشى، هو الوجه الآخر لما فعله الإخوان.. الإبحار فى القشور، وشغل الناس بقضايا وهمية تصرفهم عن معاركهم الحقيقية، ودون أى اهتمام بالمشاركة فى عمليات التجديد الدينى والتنوير العقلى!