معايير الانتصار والهزيمة فى الحروب - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأربعاء 22 يناير 2025 10:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

معايير الانتصار والهزيمة فى الحروب

نشر فى : الأربعاء 22 يناير 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 يناير 2025 - 7:10 م

هناك حروب يمكن فيها بسهولة تمييز المنتصر من المهزوم، بل إنه فى بعض الحالات يخرج المهزومون ليعترفوا بهزيمتهم، ويقدموا استقالاتهم من مناصبهم، أو يتم اعتقالهم وسجنهم أو قتلهم أو نفيهم.

 


وهناك حروب كثيرة ينهزم فيها طرف عسكريا بصورة واضحة، لكنه يحقق نتائج سياسية تعوض هزيمته العسكرية، وهناك حروب تتعرض فيها شعوب لأقسى أنواع التدمير، لكنها رغم ذلك تخرج منتصرة، وهناك حروب يزعم كل طرف أنه حقق الانتصار النسبى لغياب الحسم الواضح.
والنوع الأخير هو السائد فى منطقة الشرق الأوسط فى السنوات الأخيرة، خصوصا فى جولات الصراع العربى الإسرائيلى سواء فى فلسطين المحتلة أو لبنان.
لو طبقنا هذا التقسيم على الواقع فسوف نكتشف مثلا أن مصر حققت انتصارا سياسيا كبيرا عام 1956، رغم أن العدوان الثلاثى الإنجليزى الفرنسى الإسرائيلى كان أكثر عددا وعدة واستعدادا، نجحت مصر فى استغلال دعم الاتحاد السوفييتى لها، ورفض الولايات المتحدة للعدوان. ويعتقد بعض المؤرخين أن حرب السويس كتبت نهاية الامبراطورية البريطانية، وبدء بزوغ الامبراطورية الأمريكية.
فى حرب ٥ يونية ١٩٦٧ ألحقت إسرائيل هزيمة فادحة بكل من مصر والأردن وسوريا وفلسطين واحتلت أراضى ما تزال تحتفظ ببعضها حتى الآن، والمؤسف أن البعض لا يريد الإقرار بأن العرب انهزموا بحجة أن إسرائيل لم تكسر الإرادة السياسية للعرب، وهو نفس المنطق الذى يستخدمه البعض الآن.
احتلت الولايات المتحدة فيتنام ودمرت مناطق واسعة منها وقتلت وجرحت الملايين من الشعب الفيتنامى طوال عقد الستينيات من القرن الماضى.
لكن فى عام ١٩٧٣ انسحبت أمريكا منكسرة وانتصر الشعب الفيتنامى لكن بثمن صعب وهو ٢ مليون قتيل و٣ ملايين جريح و١٢ مليون لاجئ مقابل ٥٧ ألف قتيل أمريكى و١٥٣ ألف جريح لكن التاريخ فى النهاية يقول إن أمريكا انهزمت وفيتنام انتصرت.
فى عام ١٩٧٣ نجح الجيش المصرى فى إلحاق هزيمة مذلة بالجيش الإسرائيلى ليمحو آثار هزيمة يونية ١٩٦٧.
ورغم أن بعض الإسرائيليين يزعمون أنهم غيروا مسار المعركة بثغرة الدفرسوار، لكن الأمر المؤكد أنه ما كان يمكن لهم الانسحاب من كل سيناء لولا مرارة هزيمتهم فى أكتوبر ١٩٧٣. الاتحاد السوفييتى غزا أفغانستان عام ١٩٧٩ وكان قوة عسكرية نووية عظمى، ورغم ذلك خرج منهزما بعد حوالى عشر سنوات بفعل الدعم الأمريكى لما سمى وقتها بـ «المجاهدين» لاستنزاف الاتحاد السوفييتى، الذى تفكك بعدها بشهور.
أمريكا كررت نفس الخطيئة عام ٢٠٠١ انتقاما لتفجيرات ١١ سبتمبر من نفس العام، وغرقت فى المستنقع الأفغانى بنفس الطريقة السوفييتية، ثم اضطرت للانسحاب المهين، والنتيجة النهائية هى عودة طالبان للحكم فى بداية عهد جو بايدن أوائل عام ٢٠٢١.
فى ٢٠٠٦ دمرت إسرائيل تقريبا معظم الجنوب اللبنانى، لكن حزب الله يعتبر نفسه منتصرا لأنه يرفع شعار أن عدم فوز إسرائيل بالحرب هو هزيمة محققة لها، فى حين أن عدم خسارته هو مكسب كبير.
فى معظم جولات الصراع والاعتداءات الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة كان العدو يوجه ضربات عسكرية قوية للمقاومة ويدك مبانى بأكملها، لكن غالبية هذه القوى تعتبر نفسها منتصرة، ما دام العدو لم يتمكن من القضاء عليها.
فى العدوان الأخير على قطاع غزة الذى بدأ فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وتوقف مؤقتا يوم الأحد الماضى، فإن حماس وأنصارها يقولون إنهم انتصروا لأنهم ما يزالون موجودين على الأرض، ولم ترفع راية بيضاء واحدة للاستسلام كما كان العدو يحلم، لكن غالبية الإسرائيليين ومنهم عاموس يدلين الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، يقول إننا تمكنا من توجيه ضربة شديدة لحزب الله وإيران وساهمنا فى إسقاط نظام بشار الأسد، ووجهنا ضربات موجعة لقدرات حماس تجعل من المستحيل أن يخرج يحيى السنوار رافعا علامة النصر لأنه تم قتله ومعه عدد كبير من قيادات وكوادر حماس ومعظم قيادات حزب الله، إضافة إلى مقتل 47 ألف فلسطينى وإصابة 110 آلاف وفقدان عشرة آلاف آخرين، وإسقاط مواد متفجرة على غزة تفوق ما امتصته القنبلة النووية على هيروشيما، إضافة إلى أن ٦٠٪ من الأسر لم تعد تمتلك منازل صالحة للسكن.
السؤال: من الذى انتصر فى المواجهة الأخيرة، إسرائيل أم المقاومة الفلسطينية؟
مرة أخرى ظنى أننا ينبغى أن ننتظر قليلا حتى نرى النتائج السياسية على الأرض.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي