ما تحقق فى غزة هو انتصار فى معركة وذلك بفضل صبر وبطولة وتضحيات شعبها الرائع الذى أبهر العالم وغيّر المعادلات. لكن كسب المعارك لا يعنى بالضرورة كسب الحروب، فكيف إذا كانت تلك الحرب حربًا وجودية فيما بين غزاة قتلة مسنودين من قبل استعماريين استئصاليين وبين شعب يدافع عن وطن وحقوق تاريخية قانونية إنسانية.
من هنا الأهمية الكبرى للانتقال فى الحال إلى تهيئة الظروف الضرورية لكسب المزيد من معارك المستقبل. ولأن بعض أنظمة الحكم فى الدول العربية والإسلامية قد تخلت عن التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية بالشكل المفجع المحيّر، فإن مسئولية ذلك الانتقال قد أصبحت بداهة من مسئوليات مؤسسات وأفراد المجتمعات المدنية فى تلك الدول.
المطلوب هو بناء تكتل من تلك المؤسسات وأولئك الأفراد لإسناد النضال الفلسطينى الشعبى التحريرى ضّد الجيوش الصهيونية من جهة وللمساهمة بشتى الطرق المعنوية والمادية فى إنجاح كل أنواع النضال ضدّ الاستعمار من جهة أخرى. وهذا سيتطلب تحقق ما يلى:
أولا: ما عاد مقبولا، تحت أية ذرائع وأية مبررات، الاستمرار فى غياب قيادة فلسطينية ديموقراطية واحدة تمثل جميع فصائل النضال الفلسطينى التاريخية، كما تضمّ ممثّلين منتخبين بحرية وشفافية من قبل الشعب الفلسطينى سواء الساكنين فى فلسطين المحتلة أو المتواجدين فى كل بلدان الشّتات، خصوصا بعد أن أصبحت كل وسائل التواصل الإلكترونى الانتخابية متاحة.
وجود مثل تلك القيادة الواحدة، بالطريقة الديموقراطية الحقيقية المعبرة عن مشاعر وتطلعات الشعب الفلسطينى بصورة شفّافة لا تدخلات فيها، هو الذى سيرعب الكيان الصهيونى وسيواجه ألاعيب قوى الاستعمار الغربى، الأمريكى – الأوروبى.
ثانياً: هناك حاجة، وفى الحال، لإيجاد كتلة شعبية عربية وإسلامية لدعم المواجهة الفلسطينية القيادية والشعبية فى خوضهما شتى المعارك المستقبلية ضد الكيان الصهيونى ومسانديه. ولا بدّ لهذا الدعم أن يكون بشتّى الأشكال والمستويات من مثل:
1- الدعوة لقيام صندوق مالى شعبى من خلال تبرعات المؤسسات والأفراد فى البلدان العربية والإسلامية للمساهمة فى مساعدة عشرات الألوف من اليتامى والأرامل والمعاقين والتلاميذ الفلسطينيين من أجل إخراجهم من حالات العوز والفقر والمرض والجهل وضياع الكرامة الإنسانية والتشرّد فى ديار الغربة. كثير من هؤلاء المعانين سيكونون على استعداد أن يساهموا بشتّى الصور فى معارك المستقبل النضالية أو السّلميّة.
2- تكوين جبهة شعبية للقيام بمسئولية ومتابعة مقاطعة بضائع ونشاطات الشركات والمؤسسات الصهيونية التى تحاول التواجد فى المجتمعات والأسواق العربية والإسلامية وفضح كل تلك المحاولات للحكومات وللشعوب. كما ستقوم تلك الجبهة بمسئولية ومتابعة مقاطعة كل الشركات الأجنبية التى تساهم ماليًا فى أى نشاط فى الكيان الصهيونى، خصوصا الشركات الأمريكية وبعض الأوروبية. كما ستقوم بنفس المتابعة والفضح لمقاطعة الأفراد العرب والمسلمين الذين يُطبعون مع الكيان الصهيونى فى النشاطات الرياضية أو الفنية أو غيرها أو يدعون إلى تبرير حق الصهيونية فى الاستيلاء على أرض فلسطين وتهجير شعبها.
3- العمل على وضع ضغوط شعبية على الحكومات والبرلمانات وكل أنواع المؤسسات الرسمية لتقطع علاقاتها مع الكيان الصهيونى ولتقوم بالتزاماتها القومية والدينية والأخوية لمساعدة الشعب الفلسطينى أو أى شعب عربى آخر يتعرّض للاحتلال الصهيونى.
تلك كانت فقط أمثلة على ما يمكن أن تقوم به تلك الكتلة الشعبية فى الحال استعدادا لما يمكن أن يأتى به المستقبل. ذلك أن الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة ستفتش عن أسباب واهية لتنقلب على الهدنة الحالية وتعود إلى ممارسة الإبادة، وأن نظام الحكم الأمريكى، المساند والمندمج فى الحركة الصهيونية بتطرف دينى مجنون، خصوصا مع القيادة الجديدة البالغة التطرف، هذا النظام قد بدأ يهيئ للانقلاب على الهدنة الحالية عندما صرّح الرئيس ترامب بأنه «غير متأكد من هدنة غزة».
نحن العرب، يجب أن نعرف أننا أمام أفعى وأمام عقرب لا يؤتمنان وأن كل ما يقولانه أو يفعلانه هو خليط من سموم يراد لها أن تكون مميتة. وعليه، لنبدأ الاستعداد فى الحال بعد أن فرحنا وسعدنا ببطولات شعب غزّة الرائع وانتصاراته فى معركة غزّة.