من تناقضات سياسة الدعم.. نقدى أم عينى؟ - صفوت قابل - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من تناقضات سياسة الدعم.. نقدى أم عينى؟

نشر فى : الأربعاء 22 مارس 2017 - 10:55 م | آخر تحديث : الخميس 23 مارس 2017 - 11:32 ص

من يتابع تصريحات المسئولين عن أسباب سوء أحوالنا الاقتصادية يجدهم يضعون سياسة الدعم على رأس قائمة المشاكل وكيف أن قيمة الدعم تتزايد مع كل ميزانية مما يؤدى إلى المزيد من عجز الموازنة وأنه لابد من خفض مخصصات الدعم وخاصة أنه لا يصل إلى مستحقيه، وهكذا تتكرر هذه الأسطوانة منذ عقود دون أية محاولة لوضع سياسة متكاملة تحقق هدف دعم من يحتاجون للدعم من خلال تحديد أدوات هذا الدعم وكيفيته وكيفية تمويله.

•••

المشكلة ليست فى سياسة الدعم وزيادة قيمته فى الموازنة، بل المشكلة فى أن المسئولين يريدون تقليص حجم الدعم ولكنهم لا يقدرون على ذلك خوفا من رد فعل المواطنين، وهو ما ظهر فى صورة صغيرة فى مظاهرات الخبز التى اندلعت فى بعض المحافظات فى أوائل مارس الحالى غضبا من عدم حصولهم على حصتهم من الخبز، بعدما قام وزير التموين بتخفيض الحصة التى يمكن الحصول عليها من الخبز من خلال ما يسمى بالكارت الذهبى مع صاحب المخبز، وبالتالى سنظل ندور فى دائرة مغلقة فالمسئولون يعتقدون أن مخصصات الدعم كبيرة ولابد من تخفيضها ويتحايلون على ذلك بوسائل شتى تزيد من المشاكل والمواطنين تزداد أحوالهم المعيشية صعوبة وهكذا لا تحقق سياسة الدعم هدفها بينما مخصصات الدعم المالية تتزايد، ومن تناقضات سياسة الدعم أن الحكومات المتعاقبة تخاطب المواطنين بسياسة مختلفة عما تريد تنفيذه ومثالا على ذلك ما يلى:

أولا: أن الحكام يتحدثون عن أهمية الدعم وضرورة وصوله إلى مستحقيه، بينما هم لا يؤمنون بهذه السياسة وأنها حق للمواطن الفقير وليست من الصدقات التى تحاول الحكومة أن تجعل الجمعيات الأهلية القيام بها، فالحكام الذين يريدون نقل النموذج الرأسمالى لا يؤمنون بأن هناك ما يسمى بالعدالة الاجتماعية وأن من ضمن أهداف الحكومات توفير الحد الأدنى للمعيشة الآدمية لمن لا يقدر على ذلك، ونلاحظ ذلك من خلال تصريحات المسئولين عن الحماية الاجتماعية وليست العدالة الاجتماعية، فغاية ما تريده الحكومة هو تخصيص ما يمكنها من اعتمادات مالية كمساعدات للفقراء، وهكذا فهذا هو التناقض الأساسى هل الدعم حق من حقوق المواطنة أم هو من المساعدات التى تدفعها الحكومة وفق ما تريد وحسب ما يتوافر لها من اعتمادات، بل نلاحظ أن الحكومة تحاول أن تجعل الجمعيات الخيرية تفعل ما كان على الحكومة أن تفعله وهو ما يجعل سياسة الدعم تخرج من نطاق الحق إلى باب الصدقات.

ثانيا: تعتقد الحكومة أن اعتمادات الدعم تتزايد وهى فى محاولة إنقاصها ترغب فى التحول للدعم النقدى بديلا عن الدعم العينى، وهى لذلك تحاول أن تخطو خطوات فى هذا الاتجاه من خلال ثلاث وسائل تحاول من خلالهم أن يتقبل المواطنون هذا التحول، وأول هذه الوسائل هى برنامجى تكافل وكرامة حيث يقدم برنامج تكافل لكل أسرة 60 جنيها للتلميذ فى المرحلة الابتدائية و80 جنيها للتلميذ فى المرحلة الإعدادية و100 جنيه للطالب فى المرحلة الثانوية، ويشترط لحصول الأسرة على هذه المبالغ مواظبة الطلاب فى الحضور بالمدار بنسبة لا تقل عن 80% من أيام الدراسة الفعلية، كما يقدم هذا البرنامج دعما نقديا للأسر التى لديها أطفال قبل سن المدرسة وللأمهات الحوامل.

ويهدف برنامج كرامة إلى تقديم مساعدة مالية لفئتين بالأسر الفقيرة هما كبار السن والمعاقين ويقدم برنامج كرامة 325 جنيها لكل فرد تنطبق عليه شروط البرنامج داخل الأسرة ومبلغ 425 جنيها للفردين داخل الأسرة الواحدة، و550 جنيها لثلاثة أفراد (وهو الحد الأقصى للبرنامج) داخل الأسرة الواحدة.

وقد قدرت التكلفة النهائية للمشروع 5,6 مليار جنيه حيث سيتم التنفيذ على ثلاث مراحل وبهدف تقديم دعم نقدى لثلاثة ملايين أسرة فقيرة على مدى أربع سنوات.

وشملت موازنة العام 2016/2017 مخصصات موجهة للبرنامجين بقيمة 4,1 مليار جنيه، بخلاف 1,4 مليار جنيه تمثل شريحة من قرض من البنك الدولى لهذا الغرض، ما يعنى أن الإجمالى وصل إلى 5,5 مليارات جنيه، وكان البنك الدولى قد أبرم اتفاقًا مع مصر فى 2015 لإعطائها قرضًا قيمته 400 مليون دولار لمساندة مشروع «تكافل وكرامة».

ويمكن القول إن معاشات تكافل وكرامة لم تفلح فى منع تدهور مؤشرات الفقر تمامًا، حيث ارتفعت نسبة الفقر من 26,3% (فى 2013) إلى 27,8% (فى 2015)». بل إن الإجراءات الاقتصادية الجديدة تهدد بتوسيع دائرة الفقر على نحو غير مسبوق، كما أن العدد المستهدف لن يغطى أغلب الأسر الفقيرة التى يقدر عددها بما بين خمسة إلى ستة ملايين أسرة، كما أنه من غير المطروح على أجندة الحكومة زيادة قيمة معاشات «تكافل وكرامة» على نحو يرتبط بالتضخم.

أما الوسيلة الثانية التى تحاول بها الحكومة تعود المواطنين على الدعم النقدى فهى برنامج نقاط الخبز الذى كان الهدف منه تقليل استهلاك الخبز واستبداله بسلع أخرى، ولكن كانت النتيجة على غير هوى الحكومة حيث وصلت قيمة سلع فارق نقاط الخبز التى تم توزيعها إلى حوالى 500 مليون جنيه شهريا، وهو ما مثل عبئا فى توفير هذه السلع وفى نفس الوقت تزايد الإنفاق على القمح.

وكانت الوسيلة الثالثة هى تحديد مبلغ نقدى للفرد فى بطاقة التموين بحيث يستخدمها فى شراء السلع التى يريدها، وصاحب تنفيذ ذلك دعاية كبيرة بسعر الدجاجة القليل وتكوين وجبات للغذاء، وكان المبلغ المخصص للفرد فى البداية 15 جنيها ارتفع إلى 18 جنيها ثم إلى 21 جنيها مع تعويم الجنيه وزيادة الأسعار.

•••

وهكذا نجد أن الحكومات المتعاقبة ترغب فى التحول إلى الدعم النقدى بهدف تقليص الإنفاق على الدعم وليس بهدف أن ذلك هو الوسيلة الأفضل لمستحقى الدعم، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى المزيد من التخبط وعدم حسم الاتجاه.

ويمكن القول إن التحول من الدعم العينى إلى النقدى قد يكون صالحا إذا كان عدد الفقراء قليلا نسبيا أما إذا تجاوز معدل الفقر 30% فمن الصعب توفير ما يكفل الحماية الاجتماعية لهذه الأعداد وخاصة فى ظل عدم مراعاة ما يحصل عليه الفرد من الدعم النقدى لنسب التضخم المتزايدة، وتظل المشكلة الأساسية ليست وسيلة الدعم بل السياسات التى تساعد على تحول الفقراء إلى منتجين يساهمون فى زيادة الدخل لهم ولوطنهم.

صفوت قابل أستاذ الاقتصاد عميد تجارة المنوفية السابق
التعليقات