التطعيمات.. لحماية أطفال الحجارة - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الجمعة 13 سبتمبر 2024 1:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التطعيمات.. لحماية أطفال الحجارة

نشر فى : الجمعة 23 أغسطس 2024 - 6:20 م | آخر تحديث : الجمعة 23 أغسطس 2024 - 6:20 م

 تظل تداعيات أيام الوباء ماثلة فى أذهان العالم بعد الهجوم الكاسح الذى شنه فيروس كوفيد - 19 على الكرة الأرضية، فأصابها بالفعل فى مقتل. ولولا تدارك الأمر الذى وحد دول العالم ودعاها لمؤازرة بعضها البعض، لما انقلبت الموازين، وسجل الإنسان انتصارًا حاسمًا على قوى الشر، وإن كان قد دفع ثمنًا باهظًا من الأرواح ومقدرات الاقتصاد العالمى الذى تعثرت خطواته وتراجعت حركته لأكثر من سنتين.

أذكر هذا اليوم وقد انتبه العالم لنذر خطر قادم قد يعيد إلى الأذهان تلك الصور القاسية التى توالت خلال أيام الجائحة: الخطر الذى يلوح مع رصد حالة للإصابة بفيروس شلل الأطفال، الذى سجل العلم نهايته من العالم، وكان الفضل الأكبر فى ذلك للتطعيمات. تم رصد تلك الحالة وتشخيصها فى غزة، الأمر الذى أتمنى أن ألفت إليه نظر كل المهتمين بشأن أهل فلسطين فى معركتهم دفاعًا عن أرض وطنهم وشعبهم وحقهم فى الحياة، فى مقابل حرب الإبادة الجماعية بكل صورها، ومنها بلا شك تركهم فريسة للجوع والأمراض.

الأهم الآن من توفير المؤن لأهل فلسطين هو توفير التطعيمات حماية للأطفال من أمراض إن لم تقتلهم تركت لهم أثرًا من المعاناة والإعاقة مثل مرض شلل الأطفال. هذا بالطبع إضافة لأخطار انتشار العدوى عبر الحدود إلى كل البلاد المجاورة، ومنها مصر.

الواقع أن تجربة مصر فى مجالات الطب الوقائى تعد بالفعل رائدة عالميًا، فخطة وزارة الصحة المصرية تضم جدولًا للتطعيمات للأطفال يعد الأكمل من نوعه، خاصة إذا التزمت به الأمهات، وبالطبع إذا تم توفير تلك التطعيمات فى صورة فعالة ونشطة ولم نتعرض لأى مسببات تلفها أو التسبب فى فقدانها لفعاليتها.

لذا فإن اهتمام مصر بمشروع توفير التطعيمات اللازمة لأطفال غزة أجدى من توفير الطعام والكساء. ولا أقول أنه يجب أن يقتصر على ذلك دون أوجه الدعم الأخرى.

توجيه الجهود لتوفير التطعيمات اللازمة لأطفال غزة يحتاج دون شك مساعدات من جهات عالمية تضمن وصول تلك التطعيمات والإشراف على توزيعها بالفعل لتجمعات الأطفال فى غزة، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف، ومراقبة الانتظام فى تناول جرعاتها بصورة كاملة.

قد يجدر بنا الحديث أيضًا عن متحور الجدرى أو ما يسمى تجاوزًا بفيروس جدرى القردة، والذى ظهر فى وسط إفريقيا، خاصة فى الكونغو الديمقراطية، ومنها بدأ فى الانتشار. الواقع أنه لا يشكل ذلك الخطر الأعظم الذى شكله يومًا مرض الجدرى الذى عانت منه البشرية لسنوات طويلة حتى تم اكتشاف تطعيم له قضى عليه نهائيًا منذ عام 1985. ما يطلق عليه جدرى القردة هو أقرب فى أعراضه للجديرى المائي، الذى تعرفه جيدًا الأمهات: له نفس الأعراض مع تضخم فى الغدد الليمفاوية، وله تطعيم معروف عالميًا يقى من الإصابة به.

جدرى القردة مرض إذا لم تتضاعف تداعياته، فإنه ينتهى دون علاج، لكن الظروف المحيطة قد تضاعف من خطورته عندما تنعدم الشروط الصحية فى البيئة التى يعيش فيها الإنسان، وتَتَلوَّث المياه وتَتَرَاجَعْ الموارد الغذائية، الأمر الذى بلا شك يحدث أثناء الحروب كتلك التى يعيشها الآن أهل غزة منذ شهور.

المرض فى حد ذاته هين، لكن تفاقم الأوضاع المعيشية وتدنيها كما يحدث الآن فى غزة، يُعَدّ بيئةً صالحة تمامًا لانتشار الأمراض وارتفاع معدلات الإصابة بها وبمضاعفاتها التى تؤدى إلى هلاك المرضى. فى ظروف الحرب الدائرة الآن بلا هوادة فى غزة، تتحول كل المستشفيات إلى مراكز للطوارئ والعمليات، ويتراجع الأداء فى برامج الرعاية الصحية، وتزداد معدلات عدوى الأمراض السارية (المعدية)، خاصة مع اقتران تلك الظروف بالانتهاكات الإنسانية التى تمارسها سلطات الاحتلال، إلى جانب نقص الموارد الغذائية وموارد المياه.

التطعيمات الآن فرض عين لحماية أطفال غزة، أو أطفال الحجارة كما لقبهم العالم يومًا، عندما لم يكن لديهم إلا الحجارة ليحموا أنفسهم من العدوان والانتهاكات، بينما تصلهم المواد الغذائية كغاية.

التعليقات