تاريخ البشرية ممتلئ بقصص الأطفال الذين كانوا ضحايا للحروب والنزاعات. من بين هؤلاء آنا فرانك، الفتاة اليهودية التى قُتلت فى المحرقة النازية، وهند رجب، الفتاة الفلسطينية التى لقيت حتفها نتيجة القصف الإسرائيلى (المحرقه الإسرائيلية) على قطاع غزة. على الرغم من اختلاف الزمن والسياق، فإن الفتاتين أصبحتا رمزين للمعاناة الإنسانية البريئة فى وجه الوحشية.
وُلدت آنا فرانك عام 1929 فى ألمانيا لعائلة يهودية. مع صعود أدولف هتلر إلى السلطة، فرت العائلة إلى هولندا هربا من الاضطهاد. وخلال الاحتلال الألمانى لهولندا، اختبأت العائلة لمدة عامين فى ملجأ سرى. خلال هذه الفترة، كتبت آنا مذكراتها التى أصبحت فيما بعد شهادة مؤثرة على الحياة فى ظل الاضطهاد النازى.
تم اكتشاف الملجأ عام 1944، واعتُقلت العائلة ونُقلت إلى معسكرات الاعتقال. توفيت آنا فرانك وشقيقتها مارغوت فى معسكر بيرغن ــ بيلسن عام 1945 بسبب المرض، قبل أسابيع قليلة من تحرير المعسكر.
• • •
ولدت هند رجب يوم ١٣ مايو ٢.١٨، الفتاة الصغيرة من قطاع غزة قُتلت نتيجة الغارات الإسرائيلية خلال واحدة من الهجمات المتكررة على القطاع. كانت عائلتها تحاول الهرب بالسيارة عندما استهدفتهم صواريخ إسرائيلية. قُتل جميع أفراد العائلة على الفور، باستثناء هند التى بقيت عالقة فى السيارة المدمرة لعدة أيام بدون ماء أو طعام.
فى النهاية، اشتعلت النيران فى السيارة، وقضت هند نحبها محترقة. قصتها أصبحت رمزا للمعاناة الفلسطينية ولما يصفه البعض بـ«المحرقة الإسرائيلية».
• • •
المفارقة المؤلمة فى التاريخ تكمن فى أن أحفاد ضحايا المحرقة النازية، الذين عانوا هم أنفسهم من الاضطهاد، يمارسون اليوم أعمالاً عسكرية تسبب معاناة مماثلة لشعب آخر.
قصة هند رجب تبرز هذا التناقض الأخلاقى، حيث يتحول الضحايا إلى جلادين، ويتكرر نمط المعاناة على يد من عانوا فى السابق من الظلم نفسه.
العالم يُحيى ذكرى المحرقة بشكل دائم ويُكرّم ضحاياها مثل آنا فرانك، ولكنه يلتزم الصمت تجاه المآسى المعاصرة مثل مأساة هند رجب. على الرغم من الصور الصادمة للدمار فى غزة ومعاناة الأطفال الفلسطينيين، فإن ردود الفعل الدولية تقتصر على البيانات السياسية دون اتخاذ إجراءات حقيقية.
هذا الصمت العالمى يثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير: لماذا يتم تذكُّر معاناة طرف واحد، بينما يتم تجاهل معاناة طرف آخر؟ هل المصالح السياسية والتحالفات الجيوسياسية أهم من حقوق الإنسان وحياة الأطفال الأبرياء؟
بينما تُخلد ذكرى آنا فرانك فى المتاحف والكتب، يجب أن تصبح قصة هند رجب رمزاً مماثلاً، صرخة للعدالة والسلام وإنهاء المعاناة فى غزة.
الفتاتان كلتاهما تُبرزان حقيقة أن كل حياة بشرية ثمينة. لتكن قصصهما تحذيراً من اللامبالاة ودليلاً على أن التاريخ يجب ألا يُعاد. آنا فرانك رمز للماضى، وهند رجب رمز للحاضر الذى يجب ألا يصمت العالم تجاهه.
عمر فارس
جريدة القدس الفلسطينية
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/4k72p2j9