شاشة الموت الزرقاء - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شاشة الموت الزرقاء

نشر فى : الأربعاء 24 يوليه 2024 - 8:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 يوليه 2024 - 8:05 م

اجتاحت «شاشة الموت الزرقاء» الحواسيب التى حمّلت أحدث تحديث لبرنامج «ويندوز» من شركة «ميكروسوفت» حول العالم، ما خلق حالة من الهلع فى قطاعات عدّة من الاقتصاد المعولم. الشاشة الزرقاء هذه لا ينفع معها إطفاء الجهاز وإعادة تشغيله، ولا إزالة البطاريات وإعادة وضعها فى مكانها. الشاشة مايكروسوفت الزرقاء تعنى أنّ الوضع ميؤوس منه. فعليًا كان بالإمكان نهار الجمعة تحديد من فى العالم يدفع مستحقاته لشركة «ميكروسوفت» ومن يستحصل على برامجها على شكل قرص مدمج مقرصن من سوق البرغوث. الأوّل عانى بينما الثانى «نفذ بريشه». لم يكن هجومًا سيبرانيًا هذه المرّة، لكنه كان تمرينًا عما يمكن أن يحصل لو حدث هجوم سيبرانى واسع النطاق، وحتمًا كما ثبت على مدى التاريخ، فإن الأجهزة التى تعمل على المنتجات المشغّلة لشركة «ميكروسوفت» هى الأكثر عرضة لهكذا هجوم، ولأن ينتهى بها الأمر بشاشة زرقاء ميتة. هشاشة التكنولوجيا هذه ظهرت فى فترة يكثر فيها الحديث عن صعود ظاهرة الذكاء الاصطناعى فى ظل موجة من الغباء العام المستشرى، كما يُرَوَّج.

فى الواقع الغباء العام قلّ عبر الزمن، والعلم والمعرفة باتا متاحيْن أكثر من أى وقت مضى. المعضلة اليوم هى ماذا نفعل بفائضِ العلم والمعرفة؟ منذ ثلاثين عامًا أحدثت شاشة ميكروسوفت الزرقاء نقلة نوعية فى سوق الحواسيب من البرنامج التشغيلى الذى كان يعتمد الشيفرة المكتوبة إلى ذاك الذى يعتمد الفارة والنقر على الصور والأيقونات. فى وقت لاحق ظهر «الموقع الأزرق» وأحدث نقلة نوعية فى التواصل الاجتماعى. لكن كما سبقوا من قبلهم فى الإبداع، هناك فى الجيل القادم من يسبق بإبداعه عبر الشاشات بيل جيتس، صاحب شاشة الموت الزرقاء، ومارك زكربرج، صاحب الموقع الأزرق الذى يقارب الموت، فى الجيل القادم من الإبداع عبر الشاشات. لن ندخل اليوم فى نقاش إدمان البشرية للشاشات، لكن لا بد من مناقشة ما تنتجه الشاشات.

فى الولايات المتحدة الأمريكية أنتجت الشاشات المدعوّ دونالد ترامب وجعلته رئيسًا. منذ أيّام أعلن ترامب أن نائبه فى الولاية القادمة سيكون جاى دى فانس. جاى دى فانس ظهر على الساحة السياسية بعدما حوّلت هوليوود، بشخص رون هوارد، شيفرته المكتوبة على ورق إلى فيلم يجسّد الحلم الأمريكى. فتى من جبال أبالاشيا تتعاطى والدته الهيروين وتدمنه يصل إلى إحدى كبرى جامعات أمريكا ويدخل الكونجرس وقريبًا البيت الأبيض. كتاب فانس يمجّد النجاح الفردى، ويعيب على بنى أبيض فى أمريكا كسلهم الذى جعلهم يخسرون تفوّقهم العالمى. لا يتطرق الكتاب ولا الفيلم إلى فرضية أن يكون فانس داكن البشرة وفرصه حينذاك فى تحقيق الحلم الأمريكى. فى أحد المشاهد فى الفيلم تمرّ جنازة فى القرية ويقف أهلها إجلالًا للموكب ويقول الممثّل الذى يلعب دور جاى دى فانس إنّ «نحن أهل التلال نحترم موتانا». وقد يكون هذا المشهد أصدق تعبير عن المشهد الأميركى اليوم. فى الولايات المتحدة اللون الأزرق يرمز إلى الديمقراطيين، بينما الأحمر ملك ترامب وفانس وأنصارهما.
يُنسب الدم الأزرق فى الأدب الغربى المكتوب إلى الملوك وأولادهم. فى السياسة دمنا الأحمر المسكوب بملايين الليترات على مدار الكوكب لا يساوى قطرة دم أزرق من رجل أبيض. هذا واقعنا اليوم. فى الفيلم الذى يروّج لجاى دى فانس وحلمه الأميركى، يقول الملاك جبريل حارس جامعات النخبة إن فانس «من كوكب آخر، غير الرقاب الحمر» التى اعتادها. الكوكب الآخر هو نتاج ترامب الخارج عن تقاليد أحزاب المنظومة. ترامب خرّيج الشاشات، وفانس أيضًا. من يواجههما فسوف يلجأ إلى الشاشات نفسها إن كانت لهما أى فرصة فى قلب المعادلة. الشاشة الحمراء مليئة بقطرات دم أذن الشهيد الحى دونالد ترامب.. ما الذى سيشغل شاشات الدم الأزرق؟


جمال غصن
جريدة الأخبار اللبنانية
النص الأصلى

التعليقات