لو كنت مكان المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، لتخليت للمذيع أحمد موسى عن منصبى الرفيع، ورجوته أن يوظفنى سكرتيرا له، أو على الأقل لمنحته العضوية الشرفية لمكتب الإرشاد، وفوقها إحدى شركات خيرت الشاطر يعمل بها وفيها ما يشاء، فالرجل باستضافته لحسنى مبارك فى برنامجه على قناة «صدى البلد» أمس الأول، قدم للإخوان كل المبررات لما يرددونه بأن ثورة يناير قد أصبحت فى خبر كان، وأن الثورة المضادة فى طريقها لإحكام سيطرتها على البلد.
المذيع موسى تركنا فريسة سهلة للرئيس الأسبق حسنى مبارك، ليعيد على أسماعنا أسطوانته المشروخة القديمة، بأنه بطل الطلعة الجوية، وأنه رجل الحروب والانتصارات على العدو الصهيونى، وأنه العسكرى الذى شارك فى تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلى، دون أن يتدخل موسى ولو بسؤال واحد يتيم، يطالب فيه رئيسه بأن يشرح لنا لماذا تحولت سيناء المحررة فى عهده إلى بؤرة لتجمع الإرهابيين، حتى جاءتهم الفرصة ليرفعوا الآن السلاح ضد الدولة؟.. أو لماذا رفض ترك سيناء مسرحا للمظالم والإهمال دون أن يفكر فى تعميرها وإقامة مشاريع صناعية وزراعية تنموية يستفيد منها أهلها وتدمجهم مع بقية أنحاء الوطن؟
بالطبع لم أتوقع من موسى أن يسأل مبارك عن تزويره للانتخابات، ولا عن احتكاره السلطة وتشويهه الحياة السياسية وقمعه الحريات وعرقلته لعمل الأحزاب، وتدخل الأمن فى شئونها، ولا عن انتشار الفساد كالسرطان فى عصره الميمون، ولا عن انهيار الخدمات فى قطاعات التعليم والصحة والإسكان، ولا عن انتشار الفقر والعشوائيات والبطالة بين الشباب، فقط كنت أريد من موسى ألا يترك الحبل على الغارب للرئيس الأسبق ليستغله أسوأ استغلال، ليس فقط فى ترقيع سمعته السياسية، ولكن فى تشويه حكم الرئيس السيسى بمطالبته لنا بأن نؤيده وأن نقف خلفه، على اعتبار أن ما يفعله السيسى هو امتداد لما كان يفعله مبارك، وهو ما يعنى فى التحليل الأخير أن ثورة يناير ــ ومعها بالضرورة ثورة يونيو ــ مؤامرة نظمها أعداء الوطن، وأنها كانت «زوبعة فى فنجان»، وأن الأوضاع فى مصر عادت لطبيعتها القديمة!
موسى فى حواره مع مبارك هدم المعبد فوق رءوس أنصار السيسى، فالأجندة التى يتبناها مؤيدو الحزب الوطنى المنحل ترى أن نفس الفلسفة الاقتصادية والسياسية التى كان ينتهجها نظام مبارك، عادت للعمل مع حكم السيسى، وأن أحكام البراءة التى حصل عليها الرئيس الأسبق ونجلاه وجميع رموز نظامه، دليل دامغ على حسن سيرهم وسلوكهم الجنائى والسياسى أيضا، وهو ما لم يمكن تفسيره ــ طبقا لهذه الأجندة ــ إلا بأن مبارك والسيسى وجهان لعملة واحدة!
صحيح أن «صدى البلد» بإدارتها ومذيعيها محسوبة على نظام مبارك، وتدافع عنه وعن سياساته الكارثية منذ نشأتها، إلا أنها تضع أنصار السيسى فى اختبار صعب، يفرض على الرئيس شخصيا أن يثبت انتماءه لثورة يناير، بالدعوة لإجراء محاكمة سياسية حرة ونزيهة لمبارك ورموز نظامه، مع طرح الفلسفة السياسية والاقتصادية التى يجب أن ننتهجها للنقاش المجتمعى العام، بمنتهى الشفافية والإخلاص..
فالمؤكد أن المشاريع الكبرى التى يتبناها الرئيس السيسى لن تكفى لتحقيق أهداف يناير، فنظامنا السياسى لا يزال ناقصا سلطته التشريعية، والحريات العامة تراجعت بقانون التظاهر وغيره من القوانين، والأزمات الاقتصادية مرشحة للتصاعد بفعل سياسات السوق الحرة وإلغاء الدعم، والفقراء فى مصر بدأوا يتذمرون، وذئاب الإخوان ينتظرون الفرصة للانقضاض على الحكم بإثارة الفوضى والإرهاب.. وهو ما يؤكد أن الحل الوحيد أمام السيسى لمواجهة هذه المعارك هو استعادة روح ثورة يناير التى كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة..!