رمضان من أكثر الشهور اهتماما من كل الفئات، وقديما كنا نسمع عند اقتراب الشهر أنه شهر العبادات، حيث يستعد المسلمون لتكثيف عباداتهم لعل الله يغفر لهم ذنوبهم، ثم أصبح شهر رمضان يوصف بأنه شهر الفوازير حينما كانت الفوازير من علامات الشهر الفضيل، ثم أصبح شهر المسلسلات عندما أصبح الفرصة الذهبية لتسويق عشرات المسلسلات، ولكننا يمكننا أيضا أن نصف هذا الشهر الكريم بأنه شهر يزداد فيه التسول وتتعدد مظاهره، ومن ذلك:
1ــ كلنا نلاحظ أنه مع زيادة الفقر والفقراء فلابد أن يتزايد عدد المتسولين وبأشكال مختلفة وعلى مدى العام، ومنهم هؤلاء الذين يرتدون زى عمال النظافة ويمسكون بـ«مقشة» على الكبارى ولا يكنسون بل هى مجرد ديكور لزوم التسول، ودون أن يمنع مسئولى الأحياء هؤلاء باعتبارهم يسيئون إلى هيئة النظافة. وهناك أيضا ذوى العاهات فى إشارات المرور وهناك من يريد مساعدة فى العلاج عقب صلاة الجمعة، ولكن فى رمضان تشهد الشوارع سيلا من المتسولين طالبى الإحسان. ولأننا نريد زيادة حسناتنا فنجد الكثيرون يتبارون فى إعطاء هؤلاء ما يستطيعون سواء فى صورة نقدية أو عينية من المأكولات، لذلك فمن الطبيعى أن تجد عند الإفطار الكثير من هؤلاء المتسولين يحملون أكياسا كبيرة مليئة بأصناف المأكولات، وبالطبع فلن يستفيد هؤلاء ومن معهم بكل هذه المأكولات، وهو ما يعد فى النهاية هدرا لكميات كبيرة من المأكولات، حيث أعتقد من أخرج هذه المأكولات أنه قد أدى ما عليه تجاه الفقراء، بينما الحقيقة أنه لم تتم الاستفادة مما أخرج من المأكولات. وكنت قد اقترحت على إمام مسجد بالحى الذى أقطنه أن يتم تجميع هذه المأكولات ممن يريد التبرع وتوجيهها إلى الطلاب الأجانب الذين يدرسون فى الأزهر، حيث إن الكثير منهم يدرس على نفقته الخاصة وظروفهم المادية ليست على ما يرام، ولكن التغيير من الأمور الصعبة حتى فى طريقة الإحسان.
2ــ المتسولون فى الشوارع هم أبسط أشكال التسول، وتجىء بعدهم موائد الرحمن وهى بالطبع صورة جميلة للتراحم والمساعدة فى الشهر الفضيل، ولكننا إذا تجاوزنا الصورة إلى الواقع فإنه مع تغيير السلوكيات نجد أن الكثيرين ممن يأتون لهذه الموائد قد يكونون غير صائمين (بالطبع لن يفتش أحد على السرائر) وهناك من يذهب إلى الموائد التى تقدم لحوما لينتقى قطعة اللحم ويترك الباقى، ولكن رغم ذلك فموائد الرحمن صورة من صور التكافل التى لا يمكن معالجة سلبياتها حيث إنها مفتوحة للجميع.
3ــ ولعلاج سلبيات موائد الرحمن ظهرت فكرة شنطة رمضان، حيث يتم توزيع الشنطة التى تحوى بعض المأكولات الجافة، وبالطبع فهذه طريقة أفضل ولكن المشكلة فى تحديد المستفيدين، وكما جاء بالقرآن الكريم هناك من المحتاجين من لا يسألونك من التعفف، بينما هناك من يحترفون الدوران على كل الجمعيات والأفراد الذين يقومون بتوزيع هذه الشنط فى منطقته واستدرار عطفهم بحكايات عن مدى حاجتهم لجمع أكبر عدد من هذه الشنط الرمضانية. ومثالا على طريقة لعلاج ذلك حاولت من خلال الجمعية الخيرية التى أتولى أمرها فى قرية سنتريس بالمنوفية أن نضع قائمة بالأكثر احتياجا والذين لا يحترفون المرور على الجمعيات للحصول على المعونات، ومن الممكن أن نضيف لذلك إمكانية التنسيق بين الجمعيات حيث يتم تبادل قوائم الأسماء لمنع تكرار الحصول على هذه المساعدات، وبالتالى زيادة أعداد المستفيدين.
4ــ ومن الملاحظ أن هناك مؤسسات عامة تقوم بتوزيع هذه «الشنط» الرمضانية وبكميات كبيرة تتكلف الملايين، ومنها القوات المسلحة وأضيف أخيرا صندوق تحيا مصر، حيث خصص 10 ملايين جنيه لذلك فى العام الماضى، كما دخلت المخابرات العامة هذا العام فى مضمار توزيع كراتين رمضان. وفى اعتقادى أن مهمة توزيع هذه المساعدات تقتصر على فاعلى الخير من الأفراد والجمعيات الأهلية، أما أن تخصص الهيئات العامة وصندوق تحيا مصر الملايين لذلك فهو إنفاق فى غير محله، حيث إن هذه الجهات تستطيع استخدام هذه الملايين فى عمل مشروعات إنتاجية تساهم فى تشغيل العاطلين وتمكنهم من الحصول على قوتهم طوال العام وسيكون ذلك أفضل من توفير الاستهلاك لشهر.
5ــ وبعد الإفطار يكون الوقت مخصصا للتسول عبر التلفزيون من خلال العديد من الإعلانات التى تخاطب كرم المحسنين للتبرع لكل أنواع الأعمال الخيرية. وتكمن المشكلة فى مدى مصداقية هذه الإعلانات وهو ما يتطلب بداية أن تكون هناك جهة حكومية أو أهلية ذات مصداقية تسمح بهذه الإعلانات عندما تتأكد من جدية المشروعات التى تطلب التبرع لها. ثم من منطلق الشفافية لابد وأن تكون هناك جهة تتابع حجم التبرعات وكيفية إنفاقها، وعلى المتبرع أن يبحث عن هذه المعلومات قبل أن يتبرع، وعندما تجد هذه الجمعيات أن هناك محاسبة على ما تقوم به ستكون أكثر حرصا فى الإنفاق حتى تضمن استمرار نهر العطاء.
من الواضح للجميع أن الفقر يزداد وتتعدد صور المطلوب من المحسنين فعله، فقديما كان الإعلان لكفالة يتيم ثم أصبح مطلوبا كفالة عائلة ثم اتسع النطاق لكفالة قرية.. فماذا سيكون الطلب بعد ذلك. المشكلة ليست فى زيادة الفقراء بل فى كيفية مواجهة الفقر، فلن نقضى على الفقر بالصدقات، بل بإقامة المشروعات الإنتاجية التى تساعد على تشغيل العاطلين وتمنعهم من ذل السؤال، فمتى ندرك ذلك.
أستاذ الاقتصاد بجامعة السادات
الاقتباس
فى رمضان تشهد الشوارع سيلا من المتسولين طالبى الإحسان، ولأننا نريد زيادة حسناتنا فنجد الكثيرون يتبارون فى إعطاء هؤلاء ما يستطيعون سواء فى صورة نقدية أو عينية.