الطريق إلى السابع من أكتوبر - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطريق إلى السابع من أكتوبر

نشر فى : الثلاثاء 30 يوليه 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 يوليه 2024 - 7:15 م


العنوان، أعلاه، عنوان أحدث إصدار للمؤرخ السياسى الإسرائيلى آدام راز، المحسوب، بحسب التصنيف الإسرائيلى، على اليسار الراديكالى. صدر الكتاب بُعيْد اندلاع الحرب على غزة، عن دار نشر «برديس» عام 2024م. تهتم كتابات، راز، ضمن ما تهتم، بالنزاع الإسرائيلى الفلسطينى، وبالبرنامج النووى الإسرائيلى، وبالنظرية السياسية؛ ومن أهم إصداراته: «النضال من أجل القنبلة» (2015م)، و«هرتسل: صراعاته فى الداخل والخارج» (بالاشتراك مع يجآل فاجنر 2017م)، و«مذبحة كفر قاسم: بيوجرافيا سياسية» (2018م)، و«نظام القبضة الحديدية: دافيد بن جوريون، جدل الرسمية والخلاف السياسى حول البرنامج النووى الإسرائيلى» (2019م)، و«نهب الممتلكات العربية فى حرب 1948م» (2020م)، و«الإدارة العسكرية 1948ـ 1966م، مجموعة وثائق» (2021م)، و«الديماجوج: ميكانيزم استخدام السلطة» (2023م).
الفرضية الأساس فى كتاب: «الطريق إلى السابع من أكتوبر» هى، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يسعى بمنهجية من أجل تعميق وترسيخ النزاع فى المنطقة، وليس من أجل حله، أو التوصل إلى تسوية سلمية. هذه بدهية يعرفها القاصى والدانى. لا يختلف عليها اثنان. واضحة وضوح الشمس فى رابعة النهار. يجتهد المؤلف، فى التدليل على صحة فرضيته، عبْر شرح الوسائل التى انتهجها نتنياهو من أجل تكريس النزاع.
• • •
هنا مجال للاختلاف أو للاتفاق مع أطروحات المؤلف. تبدو بعض الوسائل منطقية، ومتسقة مع مجريات الأحداث، فيما يبدو بعضها مغرقٌ فى الخيال. من أبرز الحجج التى يستعرضها الكتاب، حجة ترددت كثيرًا فى الخطاب الإسرائيلى العام، لكن أحدًا لم يتوقف عند تفاصيلها، كما فعل راز، تقول إن نتنياهو عمل على تقوية سلطة حركة حماس فى قطاع غزة، وفى المقابل، على إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية فى رام الله، بزعامة محمود عباس (أبومازن).
يشير الكتاب، فيما يتعلق بالنقطة الأولى، أى تقوية سلطة حركة حماس، إلى جملة من الإجراءات التى اتخذها نتنياهو فى هذا الصدد. لكن، قبل عرض الإجراءات، التى سردها الكتاب، لزام علىّ أن أنوه إلى أن ما ورد فى الكتاب ليس، بالضرورة، حقائق مسلَّمة، وإنما اجتهادات تحتمل الصواب والشطط.
من جملة هذه الإجراءات: سماح نتنياهو بدخول ما سُمى بـ«الحقائب الدولارية» من قطر إلى القطاع بشكل مستمر ومتواصل، وتقوية، ما سمَّاه الكتاب، «العناصر المتطرفة» فى الحركة. يستشهد الكتاب، فى هذه النقطة، بتراجع نتنياهو عن قرار كان قد اتخذه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق يتسحاق رابين، قبل اغتياله (5 نوفمبر 1995م)، يطلب فيه من الولايات المتحدة الأمريكية تسليمها موسى أبومرزوق، الرئيس السابق للمكتب السياسى لحركة حماس، لأنه قاد، بحسب الكتاب، الجناح الأكثر راديكالية فى "حماس"، المتمسك بمحاربة إسرائيل وبمعارضة التسوية.
• • •
يزعم مؤلف الكتاب، أن نتنياهو، قاوم طوال الخمس عشرة سنة الماضية ـ باستثناء السنة التى حكمت فيها حكومة نفتالى بينيت ويائير لابيد (13 يونيو 2021 ـ 6 يونيو 2022م)، التى سُميت حكومة التغيير ـ كل محاولة، عسكرية أو سياسية، كان من شأنها أن تؤدى إلى القضاء على حكم حماس فى القطاع.
يشير الكتاب، فى هذا الصدد، إلى أن نتنياهو غض الطرف عن تهريب الأسلحة إلى القطاع، وجمَّد بناء السور العازل فى عام 2019م، وسرَّب لوسائل الإعلام شريحة عرضها الجيش على المجلس الوزارى فيما يخص عواقب القيام بعملية عسكرية برية فى القطاع خلال حملة الجرف الصامد، بهدف خلق رأى عام معارض لاقتحام القطاع بريًا، ومن ثم، منع إجراءً كان من شأنه أن يعرض حكم حماس للخطر. وأظن أن هناك شططًا كبيرًا من جانب المؤلف فى هذا الشأن، إذ لا ينفرد نتنياهو، وحده، باتخاذ القرارات، وإنما يعمل فى إطار مؤسسى.
فى المقابل، فإن مما يشير إليه المؤلف من بدهيات، هو معارضة نتنياهو لأى مصالحة سياسية بين حركتى فتح وحماس. والحقيقة، أنه سعى إلى تكريس الانقسام بين الحركتين، حتى لا تنشأ لُحْمَة بين الضفة الغربية والقطاع، تشكل أساسًا لدولة فلسطينية فى المستقبل. فى مقابل تقوية «حماس»، تجاهل نتنياهو، طبقًا للكتاب، اعتدال السلطة الوطنية الفلسطينية، ونكَّل بها سياسيًا، حتى لا يتحقق سلامٌ. يستشهد المؤلف، فى هذا الصدد، بالدكتور، مصطفى البرغوثى، عضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وواحد ممن أدوا دورًا جوهريًا فى محادثات المصالحة بين «فتح» و«حماس»، الذى قال: «فى كل مرة نتقدم فيها، نحن الفلسطينيين، نحو الوحدة، يدشن نتنياهو حملة تزعم أن عباس يتعاون مع إرهابيين.. لكن فى كل مرة يُسأَل فيها لماذا لا تجرى مفاوضات مع عباس، يقول: لا أستطيع التفاوض مع السلطة الفلسطينية لأنها لا تمثل كل الفلسطينيين».
وهكذا يستخدم نتنياهو ورقة الانقسام الفلسطينى من أجل تبرير معارضته المطلقة لأى تفاوض حول اتفاق للسلام. فى إطار رغبة نتنياهو فى عدم التوصل إلى سلام، يشير الكتاب إلى تجاهله التام للإشارات القوية من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، الذى أدلى فى عام 2012م بتصريحات، كثيرًا ما تحرق الإسرائيليون إلى سماعها لكى يوقنوا بأن هناك شريكًا فلسطينيًا للسلام، أعلن فيها، بوضوح، التخلى عن نهج المقاومة، وعن حق العودة، حيث قال، نصًا: «لن نعود لإرهاب وعنف.. سنعمل بوسائل دبلوماسية وسلمية فقط (...) فلسطين بالنسبة لى هى حدود 67 بما فيها القدس الشرقية. كل الباقى هو إسرائيل. أنا لاجئ (من مدينة صفد 1948م)، أقيم فى رام الله. لن أعود إلى صفد إلاَّ بصفتى سائحًا فقط».
• • •
ويخلص الكاتب إلى أن الطرف الفلسطينى المعتدل هو العدو الحقيقى لنتنياهو، الذى ليس لديه استعدادٌ للتوصل إلى حل وسط. يستعرض المؤلف، فى الكتاب، كل المحاولات التى قام بها نتنياهو من أجل عرقلة استئناف مفاوضات السلام منذ عاد إلى السلطة فى 2009م، ومنها: تكثيف بناء المستوطنات فى الضفة الغربية المحتلة وفى القدس الشرقية، والطلب من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودى فقط والتنكيل، سياسيًا، بالسلطة الفلسطينية، واتهامها بأنها تمارس إرهابًا سياسيًا، حين لجأت، مضطرة، فى ظل تعنته، إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية من جانب واحد.
يستشهد الكتاب بتصريحات مسئولين عسكريين وأمنيين إسرائيليين كبار، يحذرون فيها من السياسة التى يقودها نتنياهو، لكن بعضها يأتى فى إطار المناكفة السياسية، والبعض الآخر فى إطار مكاشفة الناس ومصارحتهم. يشير الكتاب إلى أن نتنياهو - وهذه حقيقة - سفَّه، أيضًا، «المعتدلين» ومريدى الحلول الوسط على الجانب الإسرائيلى، وجرَّدهم من الشرعية السياسية، وقوَّى، فى المقابل، شوكة المتطرفين، وطبَّع العنف السياسى، وأضفى الشرعية على أنصار الحاخام العنصرى المتطرف، ميئير كهنا، وعينهم فى مناصب حكومية رفيعة - وزراء مالية، وأمن قومى، وتراث، وخلافه.
• • •
ثمة نقطة بالكتاب، يغلب فيها الخيال على الحقيقة. بها الكثير من روح نظرية المؤامرة، تتعلق بالعلاقة مع إيران وبرنامجها النووى. يربط المؤلف بين سعى نتنياهو إلى تأبيد النزاع وسلوكه إزاء إيران. يعود الكتاب، مرة أخرى، إلى يتسحاق رابين، الذى جزم بأن إسرائيل أمامها «نافذة فرص» للتوقيع على اتفاقيات سلام مع جيرانها، قبل أن يصبح الشرق الأوسط نوويًا. ونظرًا لأن نتنياهو لا يريد سلامًا، فإن المؤلف يشير إلى أنه «أدار سياسة متعمدة غايتها إثارة وتقوية البعد النووى بالنزاع فى المنطقة». يتهم الكتاب نتنياهو بأنه دفع الولايات المتحدة الأمريكية، خلال فترة حكم ترمب، إلى الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران، المعروف باسم 5+1، الموقع عام 2015م، ومنع ممثلى هيئة الأمن الإسرائيلية من مساعدة الأمريكيين فى بلورة اتفاق آخر مع إيران ما جعل إيران تواصل تطوير برنامجها النووى، وتصبح أكثر قربًا من أى وقت مضى من حيازة سلاح نووى، رغم أنه يتحدث كثيرًا، وبصوت زاعق، ضد إيران.
• • •
من الوسائل الأخرى التى يتخذها نتنياهو لتكريس النزاع، بحسب الكتاب، لكنها تبدو غير واقعية، فى نظرى، طريقة إدارة الحرب على غزة. يرى المؤلف، أن طريقة القتال الإسرائيلية فى القطاع تمليها «رغبة فى الانتقام»، وهذا أمر لا خلاف عليه، إلاَّ أن ما نختلف عليه مع مؤلف الكتاب هو قوله إن نتنياهو لا يريد حسم المعركة فى غزة وتركيع حماس، لأنه، ببساطة، لو استطاع لفعل. فقد استعمل كل ما بترسانة الجيش من أسلحة مدمرة، ومع ذلك، فإن «حماس» ما تزال صامدة فى وجهه بعد ما يقرب من عشرة أشهر، ومن المستحيل القضاء عليها باعتراف كبار المسئولين العسكريين الإسرائيليين، أنفسهم.
تتلخص الحجة، التى يسوقها المؤلف فى هذه النقطة، فى أن القضاء على حماس سوف يقضى على مشروع نتنياهو. إذ إن القضاء عليها يعنى استبدالها، واستبدالها يعنى نقل السيطرة فى القطاع إلى السلطة الفلسطينية، فكيف سيستمر فى عرقلة السلام بدون حماس؟ ولذا فإن الحل الوحيد، فى نظره، بحسب المؤلف، هو إبقاء النزاع مفتوحًا، والحرب فى غزة إلى الأبد. هناك، كما سبق وأشرت، فى بداية المقال، آراءٌ واقعية وبدهية فى الكتاب، لكن به آراءً أخرى مغرقة فى الخيال، فرضها التوجه الأيديولوجى للمؤرخ.

 

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات