المكتبة الإسلامية (12).. الفقه الأكبر أسس العقيدة كما شرحها الإمام أبو حنيفة - بوابة الشروق
الأربعاء 12 مارس 2025 2:54 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المكتبة الإسلامية (12).. الفقه الأكبر أسس العقيدة كما شرحها الإمام أبو حنيفة

محمد حسين
نشر في: الأربعاء 12 مارس 2025 - 9:46 ص | آخر تحديث: الأربعاء 12 مارس 2025 - 9:46 ص

اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله تعالى في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم.

وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية.

وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.

الحلقة الثانية عشر..

عندما يُذكر الإمام أبو حنيفة، يتبادر إلى الأذهان دوره كمؤسس المذهب الحنفي وأحد أعظم الفقهاء في الإسلام، لكن كثيرون لا يعلمون أن له إسهامًا عظيمًا في علم العقيدة أيضًا، يتجلى ذلك في كتابه "الفقه الأكبر"، الذي يُعد أقدم نص مكتوب في العقيدة الإسلامية على منهج أهل السنة والجماعة، حيث أسس فيه لمنظومة فكرية متماسكة تجمع بين النقل والعقل في فهم أصول الإيمان.

- من هو الإمام أبو حنيفة؟

هو النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي الكوفي مولى بني تيم بن ثعلب، وقيل أن سبب تكنيته بـ أبي حنيفة ملازمته للدواة المسماة حنيفة بلغة العراق ولاجتهاده في طلب العلم، فأبو حنيفة كنية وليست اسماً.

ولد أبو حنيفة رضي الله عنه في الكوفة سنة 80 للهجرة على رواية الأكثرين، ونشأ وتربى بها وعاش أكثر حياته فيها متعلماً ومعلماً.

ومن أهم وأفضل ابتكارات الإمام أبي حنيفة أنه كان يعرض المسائل الفقهية على العلماء من تلاميذه في حلقة الدرس، ليدلي كل بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجة، ثم يعقِب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوِب صواب أهل الصواب، ويؤيده بما عنده من أدلةٍ، ولربما انقضت أيام قبل تقرير مسألة ما.

يقول الموفق المكي في مناقب أبي حنيفة أنه وضع مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهاداً منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ولرسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة وراء أخرى، يقلِبها ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، وربما ناظرهم شهراً أو أكثر من ذلك في المسألة الواحدة، حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها.

قال ابن العماد في "شذرات الذهب" عن الإمام أبي حنيفة: "وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه والعبادة، والورع والسخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صنَّاع وأجراء رحمه الله تعالى".

كان الإمام أبو حنيفة يعمل بالتجارة بصدق وأمانة واستمر في ذلك أكثر حياته فاكتسب خبرة في العرف والعادات والمعاملات وطرق الناس في البيع والشراء، وأفادته التجارة في الفقه.

اتصف أبو حنيفة التاجر بصفات تجعله مثلاً كاملاً للتاجر الصدوق، كما كان هو في الذروة بين العلماء، فقد كان ثري النفس عظيم الأمانة شديداً على نفسه في كل ما يتصل بها، وكان سمحاً قد وقاه الله شح نفسه، وكان عظيم العبادة يصوم النهار ويقوم الليل، فكان لهذه الصفات أثرها في معاملاته التجارية، حتى كان غريباً بين التجار، وحتى شبهه كثيرون في تجارته بأبي بكر الصديق.

وتوفي الإمام بالعراق سنة 150 هجرية، وبني بجوار قبره مسجد سمي بمسجد الإمام الأعظم الذي هو أحد ألقاب أبي حنيفة النعمان، ولا يزال المسجد الجامع شاخصا إلى يومنا هذا وتسمى المنطقة التي بجواره منطقة الأعظمية وهي تسمية مشتقة من لقب الإمام الأعظم، وهي من أعرق أحياء بغداد.

-الفقة الأكبر.. المنهج الوسطي لأهل السنة والجماعة

يُعد "الفقه الأكبر" أحد أقدم وأهم الكتب في علم العقيدة الإسلامية، وهو من تأليف الإمام أبي حنيفة النعمان، يتناول الكتاب القضايا الأساسية المتعلقة بالتوحيد، الإيمان والقدر والنبوة والمعاد، واضعًا بذلك منهجًا واضحًا لأهل السنة والجماعة في العقيدة، بعيدًا عن الغلو والتأويل الفاسد.

وفقًا لما ورد في "حاشية رد المحتار" لـ ابن عابدين، فإن مصطلح "الفقه" في زمن الإمام أبي حنيفة كان يُطلق على فهم الدين عمومًا، وليس فقط على الأحكام العملية، ولأن العقيدة هي أصل الفقه وأساس الدين، أطلق الإمام على هذا الكتاب "الفقه الأكبر"، تمييزًا له عن الفقه المتعلق بالفروع، الذي أصبح يُعرف لاحقًا بـ"الفقه الأصغر".

- ماذا يتضمن الكتاب؟

يُعد "الفقه الأكبر" أول محاولة مبكرة لتأصيل علم العقيدة الإسلامية، وناقش فيه الإمام أبو حنيفة عدة قضايا أساسية، منها ما أكد الإمام أن الله موجود بلا كيف، ولا يُشبه خلقه، وهو على العرش بصفاته لا بذاته.

وكما جاء بكتاب "تبصرة الأدلة" للإمام النسفي، فقد رفض أبو حنيفة التشبيه والتجسيم، كما رفض التأويل الباطني الذي عُرف لاحقًا عند المعتزلة.

أقرّ أبو حنيفة بأن الأنبياء معصومون في تبليغ الوحي، وأن المعجزات حق.

وكما ذكر الإمام البيهقي في كتابه "الاعتقاد والهداية"، فإن أبي حنيفة كان حريصًا على إثبات النبوات ودفع الشبهات عنها، خصوصًا من قبل المعتزلة الذين كانوا يميلون إلى تفسير المعجزات تفسيرًا عقليًا محضًا.

اقرأ أيضا
المكتبة الإسلامية (11).. الموافقات للشاطبي رحلة في فهم مقاصد الشريعة الإسلامية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك