التحدي الأفغاني - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحدي الأفغاني

نشر فى : السبت 2 مايو 2009 - 6:42 م | آخر تحديث : السبت 2 مايو 2009 - 6:42 م

قامت صحيفة نيويورك تايمز أخيرا بتغطية حية للحرب فى أفغانستان. ووصف سى جى شيفرز فى تقريره المفصل أحداث «المواجهة الدموية» بين القوات الأمريكية ورجال القبائل صعاب المراس فى وادى كورينجال فى أفغانستان. والتقط المصور تايلر هيكس صورة لا تُنسى ـ نُشرت فى الصفحة الأولى ـ تصور جنديا أمريكيا يهرع هربا من كمين نصب عند ضفة النهر.

لكنى وجدت نفسى ـ وبعد تفكير عميق ـ فى حالة تعجب. فلماذا تخوض الولايات المتحدة فى الأصل حربا ضد المتمردين فى وادى كورينجال؟ وقد صورت القصة الإخبارية المتمردين بوصفهم ينتمون إلى حركة طالبان، لكنها ذكرت أن السكان المحليين غاضبون جزئيا «لأنهم يعملون حطابين، وفى نفس الوقت الذى منعت فيه الحكومة الأفغانية جميع أعمال قطع الأخشاب تقريبا، وهو ما جعل رجال المنطقة بلا أى عمل». ولا تشير الدلائل على الأرض إلى أن هناك وجودا لتنظيم القاعدة فى تلك المنطقة، التى يتسم سكانها بالنزعة الاستقلالية الحادة ويتحدثون لغتهم الخاصة غير المألوفة أو المستخدمة لباقى السكان.

لكن يجب هنا أن نطرح سؤالا أساسيّا، وهو هل يعد استخدام القوة العسكرية الأمريكية بهذا الشكل المفرط أمرا ضروريا أو حكيما؟ فعندما كنت فى المنطقة منذ عام، زرت قاعدة أمامية للجيش الأمريكى بالقرب من مدينة أسعد أباد كانت تقوم بإطلاق قذائف مدفعية من العيار الثقيل فى اتجاه وادى كورينجال كى تبعد المقاتلين المحليين. وكانت الضجة الناجمة عن القصف المستمر عالية للغاية وتصم الآذان، مما جعل من الصعب حتى سماع تعليقات أعضاء فريق إعادة الإعمار الإقليمى، الذين كانوا يشرحون الجهود التى يقومون بها حتى يحظوا بثقة السكان المحليين من خلال تمهيد الطرق وبناء المدارس والمستشفيات. ويعد القتال فى وادى كورينجال مشكلة كبيرة تقع فى قلب إستراتيجية الرئيس أوباما بشأن الحرب فى أفغانستان وإستراتيجيتها. فتلك الإستراتيجية تسير فى اتجاهين مختلفين فى الوقت ذاته. وقد وصف أوباما بإيجاز أن الغرض الرئيسى من حربه هو منع طالبان من شن هجمات على الولايات المتحدة فى المقام الأول. لكنه دعا إلى القيام بجهود أكثر شمولا قد تمتد لسنوات طويلة لبناء الدولة الأفغانية، إذا كان مقدرا لهذا الهدف أن ينجح ويتحقق. وباللغة العسكرية، فإن تلك الإستراتيجية «تتمحور حول العدو» باستخدام تكتيكات تقوم على حرب مكافحة التمرد التى «تتمحور حول السكان».

ولا تعد المشكلة بالنسبة لشباب الجنود الأمريكيين فى كورينجال شديدة التجريد، فهى تتعلق بما إذا كانت هناك حاجة للقيام بالدوريات الراجلة وإطلاق وابل من القصف المدفعى، لمواجهة تنظيم القاعدة فى تلك المنطقة الأفغانية الوعرة؟ أم أن هناك طريقة أفضل وأقل تكلفة وتؤدى إلى خسائر أقل فى أرواح الأمريكيين والأفغان؟

ويتفق كبار المسئولين الأمريكيون الذين وضعوا إستراتيجية أوباما على أنها تحوى قدرا كبيرا من التوتر، لكنهم يقولون إنه لا مفر من ذلك. كما أنهم مقتنعون بأن هناك جانبين للحرب الناجحة لمكافحة التمرد، أحدهما ناعم يقوم على تمهيد الطريق، والجانب الآخر حركى يقوم على استخدام القوة المفرطة ضد العدو. ويقول المسئولون إن التحدى الحقيقى يكمن فى الدمج بين الأسلوبين من أجل شق صفوف هذا التمرد. ويقول أحد من قاموا بصياغة تلك الإستراتيجية، إنه إذا أصابها النجاح، فإن الولايات المتحدة سوف تقطع أوصال «نقابة» الجماعات المتمردة بحلول نهاية موسم القتال هذا الصيف أو الصيف المقبل على أقصى تقدير.

وكى أقف على وجهة النظر الأفغانية، تحدثت الأسبوع الماضى مع السيد أشرف غنى، الذى عمل وزيرا للمالية من 2002 ـ 2004، فى أول حكومة تكونت بعد الإطاحة بحركة طالبان، وهو حاليا أحد المرشحين لانتخابات الرئاسة. ويعد غنى رجلا شديد الفصاحة والثقافة، فقد حصل على درجة الدكتوراه فى الأنثروبولوجيا من جامعة كولومبيا، وعمل لفترة طويلة فى البنك الدولى. وعلى الرغم من بعد المسافة بينه وبين قصر الرئاسة فى كابول، إلا أن لديه رؤية واضحة لما هو مطلوب من كل من الأمريكيين والأفغان، من أجل وضع الحرب على طريق أفضل.

ويقول غنى: «يجب القيام بخيارات حول كيفية تطبيق الإستراتيجية الأمريكية ـ هل يتم تبنى تكتيكات مكافحة التمرد أم العمليات الحركية التى تقوم على استخدام القوة المفرطة. وحتى الآن يبدو أنهم يجمعون بين الاثنين». ويفضل غنى الخيار الأول، ويحذر من أنه «يمكن أن تفسد عملية حركية واحدة ما تحقق خلال شهور بفضل تكتيكات مكافحة التمرد».

وأيا من سيكون الفائز فى انتخابات الرئاسية المقبلة، يركز غنى فى حملته على عدد من القضايا الجديرة بالاهتمام. فهو يريد أن تصبح أفغانستان أكثر اعتمادا على نفسها، وأن يجرى إصلاح الحكومة الفاسدة والضعيفة، ويتم تبنى برنامج فعال لخلق فرص العمل. ويقول إن مؤيدى طالبان هم فى الأغلب من الشباب العاطلين.

وقد كانت تعليقات غنى حول المصالحة مع بعض العناصر من تحالف طالبان مشجعة بالنسبة لى. خذ مثلا قلب الدين حكمتيار، الذى يعد جزءا من «نقابة» المتمردين. فقد قرأ غنى أربعة كتب لحكمتيار، ويقول إن أمير الحرب الملتحى هذا «لديه رؤية حداثية للغاية». كما يشير إلى كتاب آخر للملا عبد السلام ضعيف، أحد زعماء طالبان الذى احتُجز فى جوانتانامو من 2002 ــ 2005، فيبين أن ضعيف لديه تصور حول تطور طالبان، بعيدا عن النزعة الجهادية، وفى اتجاه وطنى تنموى.

وتعد فكرة استخدام القوة العسكرية لقمع رجال القبائل صعاب المراس فى أفغانستان فكرة خاطئة بالنسبة للأمريكيين، كما كانت خاطئة بالنسبة للبريطانيين فى القرن الـ19، وكذلك بالنسبة للروس فى ثمانينيات القرن الماضى. لكن يبدو أن غنى وآخرين يظهرون جدية بشأن بناء أفغانستان الحديثة بمساعدة الأمريكيين.. وهى عملية طويلة وبطيئة لكنها بالقطع مجدية.

Washington Post Syndication 
 

التعليقات