سيد اللعبة أم سيد الحرب؟ - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:14 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيد اللعبة أم سيد الحرب؟

نشر فى : الخميس 2 يونيو 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الخميس 2 يونيو 2022 - 7:25 م

نشرت مدونة الديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا بتاريخ 30 مايو للكاتب مروان المعشّر، عرض فيه ما جاء فى كتاب عن هنرى كيسنجر، والدور البارز الذى أدّاه فى السياسة الأمريكية حيال الشرق الأوسط خلال السبعينيات.. نعرض من المقال ما يلى.
قرأت مؤخرًا كتاب الدبلوماسى والسياسى المخضرم مارتن أنديك الذى شغل منصب مبعوث الرئيس أوباما لعملية السلام، بعنوان «سيد اللعبة». يتحدث الكتاب عن وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر ودوره فى السياسة الأمريكية حيال الشرق الأوسط فى السبعينيات، خاصة دوره السلبى فى حرب أكتوبر وما بعدها فى دعم الموقف الإسرائيلى.
أهمية الكتاب تكمن فى الدرجة العالية من التوثيق الذى اعتمد عليه أنديك، بما فى ذلك العدد الكبير من المقابلات الشخصية مع كيسنجر، جميعها عكست بصورة واضحة وصادمة الدور الأساسى الذى لعبه وزير الخارجية الأمريكى السابق، ليس فقط فى دعم إسرائيل، بل فى إنقاذها أثناء حرب 1973؛ حيث بدا واضحًا أن كيسنجر اتخذ من أجل ذلك مواقف كانت فى بعض الأحيان ضد رئيسيه نيكسون ثم فورد.
• • •
يروى الكتاب أن كيسنجر منذ أن كان يعمل مستشارًا للأمن القومى فى عهد الرئيس نيكسون، قام بفتح قناة غير رسمية مع إسحق رابين حين كان الأخير سفيرًا لإسرائيل فى واشنطن، وذلك بهدف الالتفاف على وليم روجرز وزير الخارجية حينذاك، الذى كان يريد العمل من أجل سلام شامل وانسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة. كان كيسنجر يقول لرابين: «يجب خلق الانطباع بأن شيئًا يتم إنجازه بالنسبة للعملية السلمية بينما نعرف أننا فى الواقع لا نحقق شيئًا». لم يكن كيسنجر يؤمن يومًا بالعمل نحو الحل الشامل، وذلك لاستحالة تحقيق هذا الحل فى نظره بسبب اتساع الهوة بين الجانبين العربى والإسرائيلى، وكان يعمل وفقًا لنظرية مفادها أن تحقيق حل شامل لن يؤدى إلا إلى الإحباط والمزيد من المشاكل للولايات المتحدة، كما سيؤدى إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضى التى احتلتها، وهو ما لم يكن يرغب فيه. عوضًا عن ذلك، كانت سياسته مبنية على تحقيق خطوات متدرجة ليس على الطريق نحو الحل الشامل، ولكن تبعًا لسياسة «الخطوة خطوة» و«الأرض مقابل شراء الوقت» وليس الأرض مقابل السلام، أى انسحابات تكتيكية من قبل إسرائيل حتى لا يتم الضغط عليها من قبل أحد للانسحاب الشامل. وقد نصح إسرائيل دومًا بذلك، كان هدفه إنشاء نظام إقليمى مستقر وليس تحقيق السلام. وكان يؤمن بإمكانية تحقيق الاستقرار، أما السلام فلا، والذى كان برأيه هدفًا غير مستحب. أما اتفاقيات فك الارتباط بين مصر وسوريا من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، فكان يهدف من ورائها كسب الوقت فقط، وليس تحقيق كامل الانسحاب الإسرائيلى.
ولتحقيق الاستقرار الطويل الأمد، الذى يؤمن به، كان من الضرورى برأيه تحييد مصر وإخراجها من دائرة الحرب، وهو ما نجح فيه فعلًا، وساعدته على ذلك سياسة الرئيس المصرى أنور السادات.
وفى أوقات متعددة كان رئيساه نيكسون ثم فورد من أنصار الحل الشامل، وطلبا منه العمل من أجل ذلك، ولكنه تجاهل هذه الطلبات، وعمل، بل تآمر مع إسرائيل لمنع ذلك، وكان متفهمًا جدًّا لموقف جولدا مائير التى كان هاجسها الأكبر إمكانية ضغط المجتمع الدولى على إسرائيل للعودة إلى حدود العام 1967، وفعل كل ما باستطاعته وبنجاح للوقوف ضد ذلك.
• • •
يتحدث الكتاب عن بداية أكتوبر؛ حيث كانت كل دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة، بما فى ذلك وزارة الخارجية والدفاع والبيت الأبيض، ضد إرسال أسلحة لإسرائيل لتعويضها عن خسائرها، وذلك خوفًا من قطع العرب للنفط عن الولايات المتحدة. وحده كيسنجر كان مع إرسال الأسلحة حتى يقطع الطريق على الاتحاد السوفييتى لتوطيد أقدامه فى المنطقة، وأقنع نيكسون بهذه الحجة. وحتى بعد تفوق إسرائيل اللاحق بسبب هذه الإمدادات، والاتفاق على وقف إطلاق النار وإقرار القرار 338 فى الأمم المتحدة، نصح كيسنجر إسرائيل بخرق وقف إطلاق النار واحتلال المزيد من الأراضى المصرية، ما نتج عنه محاصرة الجيش المصرى الثالث وقطع الإمدادات عنه.
أما الموضوع الآخر الذى يسلط الكتاب الضوء عليه، فهو طريقة تعامل إسرائيل مع الولايات المتحدة والتشدد الذى مارسته حتى بعد أن أنقذتها الأخيرة من خسارة محققة. وقد اعترف كيسنجر للكاتب أنه لولا الإمدادات الأمريكية لخسرت إسرائيل الحرب. وعلى الرغم من ذلك، كانت الحكومة الإسرائيلية متشددة للغاية ولا تعطى أى تنازلات للولايات المتحدة إلا بالقطارة، وحتى كيسنجر لم يسلم من الانتقاد اللاذع له من جولدا مائير ثم إسحق رابين، على الرغم من كل الدعم الذى أعطاه لإسرائيل. فى المقابل، كان التعامل العربى مع المسئولين الأمريكيين ودودًا حتى بعد إمداد أمريكا إسرائيل بالأسلحة، وحتى أثناء فترة قطع النفط التى لم تدم إلا بضعة أشهر. وعندما ضاق الرئيس فورد بالممارسات الإسرائيلية ما دفعه لإعلان «إعادة تقييم» العلاقة مع إسرائيل فى العام 1975، عمل كيسنجر مع المسئولين الإسرائيليين لتجاوز عملية إعادة التقييم هذه خلال بضعة أسابيع.
يتحدث الكتاب أيضًا عن الجهود الأردنية فى العام 1974 حين لاحت فرصة لانسحاب إسرائيلى من أريحا وفك الارتباط على الجبهة الأردنية، حين لعب كيسنجر دورًا سلبيًا عن طريق خداع الأردن وإعطائه كلامًا معسولًا لإيهامه أنه يدعم فك الارتباط فى ما كان يولى الأولوية لفك ارتباط ثان على الجبهة المصرية، وذلك لقناعته أن ذلك سيخرج مصر من الحرب نهائيًا. ويقول الكتاب إن كيسنجر كان يدرك أن الملك حسين، رحمه الله، كان سيطلب ضمانات أمريكية لانسحاب إسرائيل من كامل الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما كان كيسنجر يعارضه دعمًا لإسرائيل. يشير الكتاب بوضوح إلى أن كيسنجر كان يتقدم بمواقف معينة للجانب العربى، ثم يعرض عكسها تمامًا للجانب الإسرائيلى، ومع كون الكاتب يكنّ احترامًا كبيرًا لكيسنجر، إلا أنه لم يستطع مع ذلك تجاهل هذه الخصال المخادعة لوزير الخارجية الأمريكى، وأشار إليها فى عدة مواقع فى الكتاب. لا شك فى أن السادات نفسه لم يكن ينوى شن حرب شاملة على إسرائيل، بل تحريك الأمور إلى الحد الذى يقنعها بالتفاوض، إلا أن ثمة عبرًا كثيرة يمكن استخلاصها من هذا الكتاب، بما فى ذلك الحاجة لفهم السياسة الأمريكية بشكل أعمق حول العالم العربى، وإدراك أن مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى لا يجوز أن تحدّد وحدها طريقة التعامل معها، وكأن العالم العربى لا يملك أية أوراق ضغط، أو ليست له مصالح يستطيع الدفاع عنها. أنصح جميع المهتمين والمهتمات من مثقفين ومثقفات وسياسيين وسياسيات بقراءة الكتاب.

النص الأصلي

التعليقات