حزب الله ومسرح الظل - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حزب الله ومسرح الظل

نشر فى : الخميس 3 مارس 2011 - 9:27 ص | آخر تحديث : الخميس 3 مارس 2011 - 9:27 ص
إذا أردت زيارة مسئولى حزب الله، عليك أن تتجه يسار طريق المطار، وما أن تتجاوز لوحة تصور الرئيس محمود أحمدى نجاد يلوح فى حياء لسائقى السيارات؛ سوف تدخل إلى ضاحية تعرف باسم «الضاحية الجنوبية»، حيث تحتضن المنطقة كثيفة السكان ميليشيا الشيعة.

فهنا يقع مقر الجماعة التى تشكل الآن أقوى كتلة فى برلمان لبنان. وهو وضع استثنائى، وبتعبير أبسط: فإن الحكومة اللبنانية تسيطر عليها منظمة وصمتها الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها «إرهابية». والأكثر من ذلك، أتاح صعود حزب الله لرعاته فى طهران، منفذا على البحر المتوسط، الذى تترقرق مياهه غرب معقل الميليشيا.

تتشابه محاولة فهم حزب الله، مع مشاهد مسرحية من مسرحيات خيال الظل؛ تختفى فيها حركاتها الحقيقية. فالمنظمة ترغب أن يكون لديها قوة، وجناحها العسكرى (التى تصر على أنه مجرد قوة «مقاومة» ضد القوات الإسرائيلية فى الجنوب) أقوى من الجيش اللبنانى. لكنها لا تريد مسئولية فى صنع القرار تتناسب مع قوتها، وفقا لما اكتشفته فى محاورات مع عدة مسئولين فى حزب الله.

فى الأسبوع الماضى، التقيت عمار الموسوى، كبير دبلوماسيى حزب الله وعدد من معاونيه فى إدارة الشئون الخارجية بالمنظمة. وكانت زيارة «غير رسمية» ومن ثم، لن أستطيع النقل حرفيا عن موسوى أو زملائه. غير أن النقاش أظهر طريقة تفكير أكثر اللاعبين صلابة فى أكثر الجماعات السياسية تشددا فى العالم.

ويبدو أن منظمة حزب الله أدركت أن الثورة التى تجتاح الشرق الأوسط، غيرت قواعد اللعبة بالنسبة لها. فالمسئولون يرون أن العالم العربى يتحول إلى المزيد من الديمقراطية والتعددية السياسية، مع سقوط الأنظمة فى تونس ومصر وربما ليبيا. وفى هذا المناخ الجديد، لا يرغب حزب الله أن يبدو فى صورة ميليشيا طائفية أو معول هدم، ولكن على أنه شريك ديمقراطى (وإن كان شريكا قويا يصوب آلاف الصواريخ نحو إسرائيل). ونظرا لأن تونس ومصر وليبيا بلدان سنية، يمكن اعتبار الأحداث الأخيرة من ناحية ما طفرة سنية مجددة، ينبغى على حزب الله احترامها.
وسوف يتعلق أول أعمال الحكومة اللبنانية التى يهيمن عليها حزب الله، بالمسألة الحساسة المتعلقة بتحقيق الأمم المتحدة فى اغتيال رفيق الحريرى رئيس الوزراء السابق. وتتولى محكمة خاصة تابعة للأمم المتحدة التحقيق فى القضية، وتوقعت تقارير صحفية أنها سوف تصدر لائحة اتهام تضم أسماء أعضاء من حزب الله.

فى يناير الماضى، أطاح حزب الله بسعد ابن الحريرى من رئاسة الوزراء، وذلك لاكتساب قوة فى مواجهة المحاكمة. وسوف يحل محله نجيب ميقاتى، وهو رئيس وزراء سابق، وواحد من أنجح رجال الأعمال اللبنانيين، وقريب من الرئيس السورى بشار الأسد. وقال ميقاتى إنه سيدعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما يفترض أن يشمل المحاكمة. غير أن حزب الله يبدو مطمئنا إلى أنه سوف يتم تخفيف التأثير العملى لأى لائحة اتهامات، وأن الأمر سوف يبقى من دون حل، فى صيغة لبنانية متميزة.

وفى الأسبوع الماضى، بدا مسئولو حزب الله متحفظين على نحو غريب بخصوص المحاكمة. فقال مسئولون إن هناك إجماعا على ضرورة أن تأخذ العدالة مجراها فيما يتعلق بوفاة الحريرى، ولكن ثمة خلافا بشأن آلية تحقيق ذلك. وأدى ذلك إلى ترحيل هذه المهمة إلى ميقاتى، وتجنب ظهور أى بصمة مباشرة لحزب الله على محاولة خنق المحاكمة.

وتوضح قضية المحاكمة نواحى قصور السياسة اللبنانية، فلم يحدث أبدا أن تم تحديد المسئولية، والأمر صار على المشاع. وربما يستطيع ميقاتى، بخلفيته كرجل أعمال، التعامل مع مشكلة المساءلة تلك.

ويحرص حزب الله على تفادى تحمل مسئولية القرارات التى لا تحظى بشعبية، حتى إن المسئولين يرفضون وصف الحكومة بأن حزب الله يسيطر عليها. ويمتنعون بوضوح عن إقرار أساليب شريكهم فى الائتلاف، الجنرال المتقاعد ميشيل عون، المنافس للرئيس ميشيل سليمان على زعامة المسيحيين البلاد.

فهل يرى حزب الله فرصة لفتح الأبواب أمام الغرب فى مرحلة ما بعد ميدان التحرير؟ هل تسمح عملية «إعادة التشغيل» فى الشرق الأوسط، بالتعامل تدريجيا مع الولايات المتحدة مثلا؟ لم أستمع إلى الكثير من التحمس لهذه الفكرة، لكن حزب الله لا يعارض استمرار التعاون العسكرى بين لبنان والولايات المتحدة. ويقول حزب الله فى مكر أن الجيش اللبنانى ربما ينبغى أن يحصل على المزيد من الأسلحة الأمريكية وهو يعلم بالتأكيد أن أمريكا لن تقدم هذه الأسلحة مادام حزب الله يمثل أقوى قوة فى البلد.

ولا شك أن حزب الله لاعب سياسى صلب، ولكن من الخطأ التقليل من شأن دقة تكتيكاته. حيث يصر المسئولون على صرف النظر عما قد يظنه الغرب، فلدى الميليشيا الشيعية مبرراتها المنطقية (بمعنى مصالحها الذاتية) لمواصلة سياساتها.

ويبدو أن حزب الله المنطقى دائما، أدرك أنه حتى «المقاومة» المتفردة، عليها أن تجرى تعديلات للتكيف مع هذه المرحلة من مراحل الفوران العربى.
التعليقات