كى لا نخلق جيلًا مزدوج الثقافة - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كى لا نخلق جيلًا مزدوج الثقافة

نشر فى : الأربعاء 3 يونيو 2009 - 10:31 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 يونيو 2009 - 10:32 ص

 يزداد التعليم سوءا يوما بعد آخر، أتذكر فى أوائل الثمانينيات أن التعليم الخاص كان بمثابة طفرة تعليمية وأقبل عليه أبناء الطبقة الوسطى بشدة كبديل للتعليم الحكومى الذى بدأ يتخلى عن دوره يوما وراء الآخر.

والآن أصبح التعليم الأجنبى بديلا لكثير من أسر الطبقة الوسطى رغم ارتفاع تكاليفه وانخفاض مستوى المعيشة، إلا أنهم حاولوا مواجهة ذلك بالقروض والجمعيات لكى يضمنوا تعليما جيدا لأبنائهم.

وفى هذا النوع من التعليم نواجه مشكلة فى غاية الأهمية وهى افتقاد الطفل للثقافة المصرية وانتمائه لنوع آخر من الثقافة متغرب عن الثقافة الأم.

ازدادت فى الفترة الأخيرة استشارات الأهالى وسؤالهم حول مدى تأثير هذا النوع من التعليم على شخصية أبنائهم، أكثر ما كان يهم الأهل هو تأثير ذلك على مدى تدينهم واكتسابهم تعاليم الدين الإسلامى.

فى الحقيقة بتأملى لأنماط شخصية الأهالى المقبلة على إلحاق أبنائهم بهذا النوع من التعليم وجدت أن هناك نمطين رئيسين، الأول هو النمط الذى يبحث عن تعليم حقيقى ومدارس تهتم بتعليم المهارات الحياتية وليس فقط تعبئة عقول الأطفال بكم من المعلومات.

والنمط الآخر من الأهالى هو النمط الذى يفتقد الثقة فى نفسه وفى قدراته، وكف عن تطوير نفسه ومهاراته، واكتفى بالحلم لأبنائه بالتعليم الجيد الذى سيخلعهم من هذه الثقافة التى يرونها متخلفة ويشترون لأبنائهم وهم الثقافة الأخرى التى لن يعيشوا فيها مما يكسبهم الشعور بالاغتراب.

والتساؤل الذى قد يوجهه البعض كيف نضمن لأبنائنا تعليما محترما وفى نفس الوقت نضمن احتفاظهم بهويتهم؟.. هناك دور أساسى يلعبه الأهل فى حياة أبنائهم يتخلون عنه باختيارهم، عندما يسلمون الأبناء إلى المدرسة فى الدراسة ليظل الطفل أسيرا للواجبات المدرسية فقط.

وفى الإجازة تصبح الهوة متسعة بين خطط الآباء التى حلموا بها فى الدراسة وبين ما يفعلونه فى إجازة الطفل والتى تتسم فى معظمها بالفوضى وعدم التخطيط، وتترك لتقدير الطفل.

يمكننا تعليم أبنائنا فى مدارس تنمى مهاراته وتحترم عقله حتى ولو كانت أجنبية، لكن فى نفس الوقت يجب أن نظل منتبهين لما يدرسه الطفل وندربه على التفكير النقدى فيما يصل إليه من معلومات ونزوده بمهارات القراءة بالعربية والكتابة والتفكير بها، بحيث يفهم الطفل أن اللغة العربية هى الأساس الذى يجب أن يهتم به.

يجب أن يهتم الوالدان كذلك بإكساب أطفالهم قيما معينة تنمى فيهم روح الثقافة التى ينتمون لها، فيتعلم الطفل الانتماء منذ صغره.

لن يمكننا أن نضمن صحة أبنائنا النفسية عند إلحاقهم بمدارس لا تنمى فيهم روح الانتماء ويظلون مغتربين عن ثقافتهم طوال العمر، فلا هم ينتمون بشكل كامل للثقافة الأخرى ولا يستطيعون التواصل أيضا بثقافتهم الأم.

أتذكر حوارا دار بينى وبين صديق لى حول قسط المدرسة الأجنبية التى ألحق ابنته بها، وكيف أنه يحتمل ذلك فقط لأن هذه المدرسة لا تكلف الطفل واجبات مدرسية أو أى نوع من المذاكرة فهو ينتهى من كل شىء فى المدرسة، وبالتالى تأتى البنت وتشاهد التليفزيون حتى النوم، وبهذه الطريقة يضمن لها وقتا سعيدا على حد قوله لا يسرق طفولتها، بالطبع كيف يمكن لنا كوالدين أن نتخلى عن مسئولية تعليم أبنائنا وتسليمهم بالكامل إلى المدرسة دون أدنى مراقبة ومراجعة على ما يدخل إلى أذهانهم.

لست ضد التعليم الأجنبى طالما سيوازيه تعليم آخر من المنزل يضمن خلق شخصية لا تعانى من أى ازدواج ثقافى، كما أتفهم جيدا الاعتراضات التى يوجهها البعض للتعليم الأجنبى وتأثيره على الهوية الوطنية.

لكننا نواجه فى المقابل الآن تدهورا حادا فى مستوى التعليم الحكومى والخاص، وأصبح التعليم بشكله وطريقته الحالية يؤثر بالسلب على صحة الأبناء النفسية، كم الواجبات المدرسية والمعلومات المكدسة التى يحشونها فى ذهن أطفالنا مرعب ويصيب بالاكتئاب.

ما زلت أذكر معاناة صديقة مع طفلها فى المدرسة الابتدائية وخلافها الأسبوعى مع مدرسة الفصل حول كم الواجبات واتهامها لهم بسرقة الطفولة واتهامهم لها بالجنون لتدخلاتها فى المنهج وطريقة التدريس.

أعرف ابنة صديقة أخرى تكتب قصصا جميلة باللغة العربية وتتحدث الإنجليزية بطلاقة، لكنى فى نفس الوقت أعرف معاناة أمها فى تعليمها اللغة العربية وقواعدها.

لكن الناتج أن البنت تعلمت تعليما جيدا ولا تستطيع ممارسة الكتابة الإبداعية إلا باللغة العربية: «لما بكتب قصص مش بعرف أفكر كويس بالإنجليزى» هكذا كانت تتحدث عن نفسها، واعتقدت وقتها أن مجهود الأم أتى بثمار جيدة، لذا أعتقد أن دور الأهل أساسى فى تشكيل ثقافة أبنائهم ولا يمكننا ترك الأمر وحده للمدرسة.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات