فى وداع أدميرال - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى وداع أدميرال

نشر فى : الإثنين 3 أكتوبر 2011 - 9:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 3 أكتوبر 2011 - 9:40 ص

بينما كنت أتحدث إلى الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، فى آخر أسبوع له فى منصبه، وجدت نفسى أتساءل، عما إذا كنا بصدد دخول عصر «ما بعد العسكرية»، حيث يدرك كبار ضباطنا أن أكبر المشكلات لا يمكن حلها بالقوة العسكرية.

 

وفى حديثى مع مولن، برزت على السطح، مرات عديدة، تنويعات على هذا الموضوع. فقد كان، بشكل عام، رئيسا كفؤا للغاية استعاد مركز الصدارة فى صناعة قرار الأمن القومى. غير أن المشكلات التى يخلفها بلا حل تقع على مسافة أبعد من المجال العسكرى، حيث لا تستطيع الأسلحة التقليدية الوصول إليها.

 

وقد شبه الكاتب جو كلاين ذات مرة مولن بـ«طبيب القرية»، وكان كذلك بالنسبة للجيش شخصا ضخما ذا وجه لين، لكنه يبدو قائدا، لا ينحنى، أكثر من كونه مناسبا للسياسيين فى نظامنا.

 

●●●

 

ولا شك أن الضباط العسكريين متخصصون فى حل المشاكل بطبيعتهم، يحبون إصلاح الأمور، أو التصويب عليها، أو الالتفاف عليها من طريق آخر. ومن ثم فالحديث عن الإنجاز الهائل للبراعة العسكرية فى هجوم الثانى من مايو الذى أسفر عن مقتل أسامة بن لادن، يرسم ابتسامة على وجه مولن. وهو يتذكر الفوضى التى كانت عليها الأمور فى 1979 المروحيات التى كانت معطلة، والطائرات التى تحطمت، ونقص قطع الغيار، وسوء التدريب. ويقول متذكرا نفسه عندما كان يشهد ذلك الإخفاق «شعرت بأننا نعانى مشكلة كقوات عسكرية».

 

وقد أوضح هجوم أبوت آباد أن تلك المشكلة فى الكفاءة تم حلها بدرجة كبيرة. ففى كل ليلة، تقوم القوات الأمريكية الخاصة بتنفيذ مهام تقارب فى تعقيدها الهجوم على بن لادن. ويصف مولن الآلة العسكرية اليوم بأنها تتسم بفاعلية هائلة: «قوة كاملة من المتطوعين، ذات صلابة قتالية، وخبرة قتالية، والاحتراف الفائق، والكفاءة».

 

ولكن، ما هى المشكلات العميقة المستعصية التى تواجه جيل مولن من الضباط؟ إنها تتعلق بالثقافة، وأسلوب الحكم، والمشكلات النفسية الدقيقة التى تمنع الناس من القيام بما هو فى صالحهم.

 

ولاشك أن باكستان مثلت أكبر إحباط واجه مولن خلال السنوات الأربع التى رأس فيها هيئة الأركان المشتركة. فقد قرر منذ وقت مبكر إقامة علاقة شخصية مع الجنرال أشفق كيانى، رئيس أركان الجيش، بأمل أن تكون جسرًا قويًا بين البلدين. ويقول مولن انه عندما ينظر إلى الخلف يجد أنه لم يدرك مدى «نقص الثقة».

 

وعلى نحو متزايد، صار واضحا لدى مولن أن مشكلات باكستان تدخل ضمن نسيج البلاد الاقتصادى والسياسى والثقافى. ويوضح إنها تشكل منحدرا هابطا بحدة، وهو أمر لا تستطيع أمريكا إصلاحه.

 

غير أن منابع الأمل لا تجف فى قلب العسكريين. وسألت مولن إذا كانت باكستان «فجرت هذه المنابع»، لكن الأدميرال يصر على أن القصة لم تنته بعد: فما زال كيانى راغبا فى التعاون؛ كما قام الجنرال ماتيس قائد القيادة المركزية الأمريكية بزيارة طيبة فى عطلة نهاية الأسبوع الأخير، وما إلى ذلك.

 

 ثم هناك أفغانستان. ويصر مولن على أنها لا تمثل مأزقًا مكلفًا، وأن «الاتجاهات جيدة» و«أنها تتحرك فى الاتجاه الصحيح». لكنه يعلم، أيضًا، أن تعريف النجاح هو نقل المسئولية إلى حكومة أضعفتها مشكلات الحكم والفساد. وبذلك المعنى، لن تكون براعة العسكرية الأمريكية بأكملها كافية؛ عندما يكون تعريف النصر متشابكا لهذه الدرجة مع السياسة والثقافة.

 

والأمر الذى يزعج مولن أن هذه القوة الاحترافية الرائعة صارت قبيلة منفصلة فى أمريكا، لا تكاد تكون مرتبطة ببقية المجتمع: «انهم لا يعرفون حجم ما نمر به، أعداد القوات التى يتم نشرها، والضغط الذى تواجهه القوات، وحالات الانتحار، والأداء الاستثنائى».  ويعلم مولن أن أعظم ما سيخلفه وراءه قضية ثقافية وقانونية؛ وهى إنهاء التمييز ضد مثليى الجنس فى الجيش، عبر إلغاء سياسة «لا تسأل، ولا تخبر». وقد قام بذلك لأسباب تتعلق بالضمير، ولم ينظر إلى الوراء أبدًا. لقد كانت لحظة قيادة، خالصة وبسيطة.

 

●●●

 

 وبينما يستعد مولن للرحيل عن منصبه يوم الجمعة؛ ترتعد الحكومة الفيدرالية من سياسة الجمود. لذلك، أتوجه إليه بسؤال أخير، عن الانقسامات السياسية التى حاول رأبها باعتباره رئيسا غير حزبى. فهو يرى أنه من الغريب أن يقدم النصح لرئيس الوزراء العراقى نورى المالكى بشأن الحكم، فى حين «لدينا فى الداخل الكثير من الأمور غير السليمة».

 

وهو يقول أخيرًا، إن أمريكا تحتاج نفس الشرط الذى يجعل الجيش يحقق نجاحا «المساءلة عن النتائج». والنظام السياسى الناجح سواء فى إسلام آباد أو كابول أو واشنطن هو الذى يتولى مسئوليات حل المشكلات التى لا تحل بقوة السلاح.

التعليقات