لم تعد هناك مشكلة - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لم تعد هناك مشكلة

نشر فى : الأربعاء 4 يوليه 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 يوليه 2012 - 8:25 ص

ظلت تلح علىّ فى الاتصال طوال الشهر الأخير فى الدراسة، فابنها فى السابعة من العمر ويعانى من مشكلات نفسية كثيرة، بعضها يلح بشدة بسبب كثرة الامتحانات والضغوط النفسية التى يتعرض لها من منافسة ورغبة فى الالتزام وتقييم للأداء وثواب وعقاب.

 

لم نجلس سوى جلستين، وكانت بيننا عشرات المكالمات التليفونية التى تعدنى فيها الأم فى كل مرة أنها لن تضرب الطفل ولن تفقد أعصابها، وفى كل مرة كانت تهاتفنى لتجدد الوعد بعد نوبة من الغضب الشديد. اتفقنا أن نستكمل الجلسات بعد انتهاء الامتحانات، وللأسف لم نستكمل الجلسات حتى الآن، كثيرات من الأمهات يشعرن بضغط وإلحاح المشكلة فقط أثناء الدراسة، ولا تتمثل المشكلة أمامهن فى أن الطفل لا يجيد صنع علاقات اجتماعية أو أنه كثير الكذب ويفتقد إلى الدافعية، إنما تتمثل المشكلة أمامهن فى أن الطفل يحصل على درجات مدرسية ضعيفة، وأن أداءه لا يساوى آلاف الجنيهات التى صرفت فى مصاريف المدرسة، وأنه لا يستجيب سوى بالبكاء ردا على عبارة «سأنقلك لمدارس حكومة»، وسرعان ما يعود إلى سلوكياته مرة أخرى.

 

فى الحقيقة عزوف الأهالى عن تنمية مهارات أطفالهم وحل مشاكل أبنائهم فى الأجازة أمر شائع جدا، والجلسات التى أقوم بها فى الدراسة أكثر بكثير من تلك التى تطلب منى فى فترة الإجازة.

 

أستعجب فى كثير من الأحيان من سلوك الأهالى، وأظل أحلل أسباب العزوف، هل هو إنكار للمشكلة وادعاء أن الطفل لا يعانى، أم أن المهم هو الأداء المدرسى وهو المؤشر الوحيد أمام الأهالى للحكم على الطفل.

 

سبق وكتبت عن أهمية الإجازة واستغلالها فى تنمية مهارات الأطفال وممارسة العديد من الأنشطة والبحث عن مراكز ونوادٍ صيفية تقدم أنشطتها للأطفال، وحثهم على لعب الرياضة والذهاب إلى المعسكرات الصيفية.

 

الحياة بالنسبة للأطفال ليست المدرسة فقط والحصول على درجات مدرسية جيدة، وقضاء بقية الوقت أمام الكمبيوتر والتليفزيون حتى يحين العام الدراسى القادم، وأنهم جيدون ويمتلكون مهارات بقدر عدم إثارتهم لمشاكل أو إزعاج للأهل.

 

هناك جوانب كثيرة يجب التركيز عليها والحكم على الطفل من خلالها، الدراسة واحدة منها فقط، والبقية تتمثل فى مهارات الطفل الاجتماعية ومدى ما يمتلكه من صداقات حميمة والقدرة على تكوين أصدقاء والانخراط معهم فى نشاط اجتماعى متصل وقبوله وسطهم ومدى استمتاعه بهذه الأنشطة، أيضا مدى قوة علاقته بوالديه وقدرته على التواصل اللفظى واللمسى معهم، وهل يشعر بالنفور عند احتضانه مثلا وينتفض سريعا، مدى نموه الانفعالى، وكيف يستجيب للأوامر وهل يمتثل للعقاب أم لا؟ وهل هو سريع الغضب والبكاء والصراخ، كل هذه الأشياء وغيرها يمكن الحكم على الطفل من خلالها، ويمكن تنميتها فى الإجازة. ومن واقع الخبرة والدراسات يحدث للطفل فى بعض الأوقات ارتفاع فى مستوى التحصيل الدراسى بعد تنمية هذه المهارات، رغم أن هذه المهارات لا علاقة لها بالدراسة، فإن لها علاقة مباشرة بالتحسن فى جوانب أخرى كثيرة.

 

تصرفات الوالدين مع الأطفال هى التى تحدد وتشكل ملامح الطفل وفرصته فى التحسن، فلى صديقة لديها طفل صغير لم يتعدى السنتين، وعانى من مشاكل كثيرة أثناء الولادة من ولادة مبكرة جدا وبعض المشاكل فى المخ وتأخر فى الحبو والمشى وأشياء أخرى.. ولم تعترف الأم نهائيا أن الطفل معرض للتأخر العقلى وأنه يحتاج لاختبارات ذكاء للحكم عليه وبرامج لتنمية المهارات وكانت اجابتها بأن لا شىء يمكن فعله عند وجود مشكلة كالتأخر العقلى، على الرغم من وجود الكثير والكثير مما يمكن فعله مع الأطفال من خلال برامج التنمية، فالعلم أنجز الكثير بالنسبة لبرامج التنمية، لكن الأهالى ما زالوا غير قادرين على الوصول لهذه البرامج، مرة بدعوى الإنكار ومرات بدعوى الكسل والشعور بعدم الجدوى، وأظن أن هذا هو دور الجمعيات الأهلية فى التواصل مع الأهالى وتنمية مهاراتهم، والاهتمام بالأطفال بشكل أكبر، وأظن أيضا أن هذا هو دور الحكومات الجديدة والأنظمة الجديدة التى لم أرَ من ضمن أولوياتها ما يخص برامج الوقاية والعمل مع الأطفال والمراهقين أو حتى أى من الجوانب النفسية للمواطنين الذين ستقوم بخدمتهم.

 

فى الوقت الراهن نحتاج أن نكسر انكارنا ونعمل بجد مع أطفالنا وأن نحث الحكومات للعمل مع الأطفال لأننا من نزرع الأمل فى نفوسهم، لنحصده مستقبلا فى مصر بشكل أجمل وأنقى وأقوى.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات