شقائق الروح - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شقائق الروح

نشر فى : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص

قرأت رواية «بريدا» لباولو كويلهو مرات عديدة، وفى كل مرة تستوقفنى عبارة بعينها يقولها العراف لبريدا «إن الإنسانية بأكملها لن تتوصل إلى الالتحام مع الله إلا إذا تمكن البشر من التواصل مع شقائق أرواحهم فى مرحلة ما أو لحظة ما من حياتهم».

 

أفكر بشكل ذاتى بحت هذه الأيام فى علاقتى بالله، وانحسار تلك الطاقة الروحية الملهمة لى أغلب الوقت واستبدالها بأفكار مادية بحتة تظل تؤرقنى لأيام والوقوف على تفاصيل لم تكن تشغلنى أبدا.

 

دائما ما تشغلنى العلاقة بين الروحانية والصحة النفسية، فهناك العديد من الدراسات التى تؤكد العلاقة الايجابية بين كل من هذين المتغيرين، فكلما زادت الروحانية لدى الأفراد زادت صحتهم النفسية.

 

أتذكر مريض نفسى كان يأتى إلى العيادة طالبا المساعدة، كانت تشغله جدا العلاقة بالله كما يتصورها، كان يصلى كثيرا ويستغفر الله بشكل قهرى ومرضى كلما فكر فى أحد الأشياء التى يعتقد أنها خاطئة. كان يبحث عن رضا الله طوال الوقت، ويشعر بالمزيد من الألم النفسى لأنه يعتقد أن الله غير راضٍ عنه، ويظل يدور فى هذه الدائرة المفرغة. كنت أعتقد أن الأولى باهتمامه هو علاقته بذاته التى لا يعرفها جيدا والتى عندما سيتواصل معها ويعرف احتياجاتها ويدير هذه الاحتياجات بشكل صحى سيتمكن من التواصل مع الله بشكل حقيقى.

 

فى كل المرات التى اختبرت فيها علاقة روحية قوية مع الله، اختبرت وقتها لحظات من التأمل والمزيد من كشف النفس. وكلما تعاملت مع احتياجاتى وأدرتها بشكل جيد، كلما دخلت إلى طاقة النور وسبحت فى تيارها الروحى الخالص.

 

عندما تأملت عبارة «بريدا»، بطلة الرواية، وراجعت حياتى خلال الشهرين الأخيرين اكتشفت كم أنا بعيدة عنى وبعيدة عن تلك النقطة التى أتماسك فيها مع ذاتى الحقيقية، وفى هذا الوقت أصبحت بعيدة عن الله.

 

تصادف أننى أقضى إجازة نهاية الأسبوع الحالى فى مكان هادئ، وتصادف أننى عانيت هذا الأسبوع ضغوطا كثيرة جعلتنى أتساءل عن حقيقة علاقتى بالله وقدرتى على تسليم أمور عديدة له.

 

قضيت هذه الإجازة فى المزيد من التأمل، وأثناء هذا التأمل وقفت عند تلك العبارة الملهمة التى ذكرتها فى بداية المقال واكتشفت أنها مفتاح تغيير حالتى المزاجية هذا الأسبوع تحديدا، فأنا أبعد ما أكون عن السير وفقا لما خطته لحياتى منذ شهرين. أفعل أشياء أخرى غير التى خططتها، وليس لدىّ وقت للتأمل الكافى بشكل يرضينى، وبالتالى أتصرف بما لا يناسبنى تماما. وأشعر بالاغتراب وبالتالى أشعر بأن هناك مسافة أكبر بينى وبين الله.

 

عندما قرأت ذات مرة أنه لا يوجد حياة بلا مشاعر سلبية واكتئاب، وأن الاكتئاب مقدر لنا أن نتعايش معه لأوقات، شعرت أن هناك طريقا مستمرا من العلاقة مع الذات والنضوج مقدر لنا أن نعيشه. ويبدو أن هذا الخط يتوازى مع نمونا الروحى والمستمر أيضا. يبدو أننى لم أعِ جيدا أن العلاقة الروحية نعمل عليها أيضا باستمرار، وأننا لن نجنى ثمار تلك العلاقة ما دمنا لا نعمل عليها طوال الوقت.

 

لم أهدأ خلال الأسبوع إلا عندما أحضرت ورقة وقلم وكتبت كل تلك الأشياء التى أزعجتنى فى الفترة الماضية، وشعرت بعدم أهميتها وأنها ليست إلا هوامش ثانوية لمتن لم يمسه سوء، وأننى أتحرك بدوافع شتى تحتاج لمراجعة وجلسة مع النفس. من المجدى أن تجلس لدقائق مطولة مع نفسك مراجعا دوافعك بصراحة تامة، فذلك بإمكانه أن يمنحك صفاء داخليا. إذا نظرت لكل الهوامش الموجودة فى متن صفحة حياتك واكتشفت أنها مجرد هوامش ليس إلا لشعرت برضا تام عن حياتك ومن ثم صحة نفسية أفضل.

 

الموضوع ليس سهلا، ولا يستغرق دقائق معدودة للوصول إليه، أعرف أنه لدى وعى داخلى جيد بنفسى، لكننى عانيت لأسابيع طويلة من التوتر لأننى أرى الهوامش متنا يستحق الاهتمام، فالأمر لا يحتاج إلا لمكاشفة النفس والتأمل العميق، بل ورغبة حقيقية فى السلام الداخلى والتواصل مع الله.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات