حديث عن الدور داخلياً وخارجياً - أحمد ماهر - بوابة الشروق
الأربعاء 1 يناير 2025 2:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حديث عن الدور داخلياً وخارجياً

نشر فى : الأحد 5 أبريل 2009 - 10:32 م | آخر تحديث : الأحد 5 أبريل 2009 - 10:32 م

 لم يتحقق أملى الذى عبرت عنه فى الأسبوع الماضى فى أن تكون قمة الدوحة هى قمة تدفن فعلا الخلافات العربية فى حفرة مغطاة بالأسمنت وفق تعبير الأمير سعود الفيصل، وأن تتفرغ لحل المشكلات بعيدا عن القرارات التقليدية والبيانات البلاغية التى سرعان ما تتوه كلماتها..

ولكنى لا أظن أن الوقت قد فات حقا لتدارك ما كان ومحاولة اللحاق بوسيلة أو بأخرى بما كان يمكن أن يكون، فمن المتصور أن تشهد الفترة القادمة جهودا خيرة لعقد قمم مصغرة يكون هدفها التقريب المتدرج وليس زيادة الانقسام فى مواجهة مواقف جديدة فى العالم بعضها قد يحمل فى طياته فرصا يمكن الاستفادة منها مثل تولى حكومة كريهة الحكم فى إسرائيل ليس فى برنامجها ما يمكن أن يجذب إليه تأييدا أعمى حتى من جانب أصدق أصدقاء إسرائيل، ومنها ما قد يكون إيجابيا إزاء استعداد الإدارة الأمريكية الجديدة للاستماع إلى صوت العقل إذا استطعنا أن نكون صوت العقل، وأن نتجنب لعبة تقسيمنا إلى قوى معتدلة وقوى ممانعة لأن الواقع أننا جميعا معتدلون مع تمسكنا بالحق، وممانعون فى استمرار انخداع العالم بأكاذيب ومتاهات خرائط الطرق التى لا تؤدى إلى شىء.

ولعل من أهم ما هو مطلوب هو نجاح الجهود المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطينى الذى ثبت أن المستفيد الوحيد منه هم من يحاولون عرقلة قيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

وهنا يهمنى أن أقول إنى لست ممن يحبون التفاخر والتباهى بالدور المصرى فهو حقيقة لا تحتمل الجدل، كما أنى انطلاقا من هذا الاقتناع لست ممن يضيقون ممن يحاولون الاضطلاع بدور قد يتصورونه كبيرا وقد يخشى بعضنا أن يكون كذلك، فهذا من حق المحاولين الذين لا يخصم ولا يستطيع أن يخصم شيئا من الدور المصرى. وهو دور لا يملك التقليل منه إلا مصر نفسها ولذلك فإنى من المهتمين بكل ما من شأنه تدعيم ذلك الدور، والرافضين لكل ما قد يضعفه مثل الدخول فى معارك كلامية لا معنى لها ولا تليق. ومن المؤكد أن ما يدعم هذا الدور المصرى ــ الذى يحق لنا أن نتمسك به ونعتز به ليس قولا بل فعلا، أن تكون أقدامنا ثابتة فى المجال الداخلى. وهنا فإنى أشهد بأننا خطونا خطوات كبيرة على طريق بناء الديمقراطية وضمان حرية الرأى وإن كانت الطريق ذاتها مازالت طويلة لاستكمال ما بدأ وتصويب ما يحتاج إلى تصويب.

وأنا أعرف أن المناقشات فى هذا الشأن داخل أروقة الحزب الحاكم وربما داخل الحكومة أيضا تنحو هذا المنحى أحيانا.

وأضيف بعض الملاحظات فى هذا الصدد لعلها أن تكون على صلة مباشرة بما أتحدث فيه حتى إذا بدت للبعض نقلة إلى ما هو خارج السياق وهى بالقطع ــ فى تقديرى على الأقل ــ ليست كذلك.

أولا: لست مرتاحا لأسلوب فى معالجة بعض المشكلات والاستجابة لبعض المطالب الفئوية، أن تترك الأمور لكى تصبح «الحبة قبة» مما يؤدى إلى إضرابات واعتصامات وتظاهرات نحن فى غنى عنها تنتهى إلى عدول من كانوا يقولون إنهم يرفضون أن يلوى أحد أيديهم، عن مواقفهم الجامدة.

ثانيا: من ضمن المشكلات التى تواجهها مصر والتى لا شك تؤثر على حركة التنمية التى خطت خطوات كثيرة إلى الأمام قبل أن تتعرض مع العالم كله إلى الأزمة التى نتجت عن أن الولايات المتحدة عطس نظامها الرأسمالى المتوحش فأصيب الجميع بالإنفلونزا، كما يمكن أن تؤثر على الأمن القومى وتنعكس على الاستقرار، مشكلتان مهمتان تصادف أن ناقشهما مجلس الشورى مؤخرا فى أيام متتالية، أولهما مشكلة العشوائيات التى تكاثرت فى أنحاء البلاد عبر سنوات طويلة دون أن تجد حلولا ناجعة، ولست أشك فى أن الحل الناجع هو حسن تخطيط المدن وبناء مساكن للفقراء ومحدودى الدخل تكون صحية ومعتدلة الإيجار وتحسين المعيشة وتوفير وسائلها فى الأقاليم للحد من الهجرة إلى المدن، ولكن الذى حدث أن الحكومات المتعاقبة لجأت إلى أسلوب غريب وهو مراقبة بناء العشوائيات من بعيد، ثم تصور أنها تعالج الأمر بتزويدها بمرافق مياه وصرف صحى وكهرباء متهالكة مما يؤدى إلى تثبيتها كبؤر للبؤس والفساد تعلن نفسها بغابات من «الدبشات» فوق مبان عشوائية كئيبة معرضة للحرائق والكوارث.

وقد حاول التقرير الذى عرض على مجلس الشوری البحث عن علاج متكامل أرجو أن يعطى أولوية فى التنفذ.

أما المشكلة الثانية فهى الأمية التى نسمع منذ الأربعينيات من القرن الماضى من الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها أن القضاء عليها ضرورة ملحة بينما الواقع أنها تفاقمت فيما أسمته أخيرا جريدة قريبة من دوائر الحكم «قصة فشل مصرية»، إذ وصل عدد الأميين إلى حوالى 16 مليونا ذكورا وإناثا كبارا وصغارا، مما وضع مصر ضمن الدول العربية الثلاث الأكثر أمية فى المركز الثالث، والدول التسع الكبار فى العالم.

وأرجو أن يتمكن القانون الجديد الذى تم إعداده والذى يحتاج إلى بعض التعديلات المهمة من أن يخلصنا من هذا الوباء الذى تتساوى خطورته مع بقية أوبئة الأمراض المتوطنة وبالغة الضرر.

مشكلتان يتم حاليا علاجهما بعد طول انتظار لا شك أنهما تؤثران على ما نتمناه جميعا لمصر من تسارع مسيرتها نحو مزيد من التقدم الذى يعزز ويؤكد دورها الذى قلت إنه ليس محل شك ولكنه فى حاجة إلى تعزيز بالتحرك إيجابيا فى جميع الاتجاهات داخليا وخارجيا.

أحمد ماهر  وزير خارجية مصر الأسبق
التعليقات