الرجوع بالذاكرة إلى بلد ديستويفسكى - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرجوع بالذاكرة إلى بلد ديستويفسكى

نشر فى : الأحد 5 يوليه 2009 - 11:07 م | آخر تحديث : الأحد 5 يوليه 2009 - 11:07 م
عندما يحزم باراك أوباما حقائبه ليصل إلى روسيا اليوم، عليه أن يأخذ معه نسخة من «الإخوة كرامازوف». والسبب أن روسيا فلاديمير بوتين الحديثة لا تزال تحاول حل الألغاز السياسية نفسها التى تعرض لها فيودور ديستويفسكى منذ 130 عام مضت.

فالبشر، كما كتب ديستويفسكى فى فصله الشهير من الرواية بعنوان «كبير المحققين»، يمكن أن يتنازلوا بكل سرور عن حريتهم مقابل الحصول على طعامهم وأمنهم. وبدلا من تلك الحرية الفوضوية، قدم المحقق للناس «المعجزة، والغموض والسلطة. وقد ابتهج البشر لأنهم اقتيدوا مرة أخرى كالغنم، ولأن تلك الهبة الرهيبة، التى سببت لهم الكثير من المعاناة، انتزعت من قلوبهم فى النهاية».

وهناك شعور ملموس هنا بأن بوتين قد جلب «المعجزة والغموض والسلطة» إلى روسيا التى أضيرت بشدة نتيجة لانهيار الاتحاد السوفييتى فى التسعينيات من القرن العشرين. فمن المؤكد أن البلاد أقل حرية مما كانت عليه على عهد بوريس يلتسين، لكن بوتين يحظى بشعبية كبيرة ولا أحد يود العودة إلى فترة التحول المجنون المتسم بالانفلات.

سيلتقى أوباما روسيا المغرورة والشائكة. وزعماء البلاد لا يريدون من أمريكا أكثر من الاحترام وأخذ ما تقوله على محمل الجد. ويتحدث المحللون الأمريكيون عن شراكة إستراتيجية جديدة، لكن المسئولين الروس يرتابون فى المشروعات الأمريكية الكبيرة. وهم يعتقدون أن الولايات المتحدة استفادت منهم خلال سنوات ضعفهم، وأنهم ما زالوا يلعقون جراحهم. وقد انهارت إمبراطوريتهم إلى حد ما بسبب حرب أسئ فهمها فى أفغانستان، وهم يرون أن حرب الولايات المتحدة ينبغى أن تلقى أيضا المصير نفسه.

هذه اللقطات الذهنية مختارة من مؤتمر عقد فى موسكو الأسبوع الماضى بعنوان: «ما الذى تفكر فيه روسيا؟». وقد عقد برعاية مشتركة بين المعهد الروسى، وهو مؤسسة أبحاث فى موسكو، ومجموعة بلغارية يطلق عليها مركز الاستراتيجيات الليبرالية، وعدد آخر من المنظمات. (ملحوظة: أنا أحد الأوصياء على صندوق مارشال الألمانى، وهو إحدى الجماعات الراعية). وأسهب المتحدثون الروس فى وصف بلد سعيد بما يمكن أن نطلق عليه «التسلط الناعم» على عهد بوتين حيث يمثل العداء لأمريكا جزءا أساسيا من السياسة.

ولم يذكر اسم الرئيس ميدفيديف إلا عرضا على مدى اليومين الأولين من الاجتماع، بينما خصصت جلسة كاملة لـ«الإجماع» على رئيس الوزراء بوتين. وسيلتقى أوباما بكل من الزعيمين الروسيين، ويأمل بعض المسئولين الأمريكيين فى أن ينجح فى إقامة علاقة خاصة بميدفيديف، الذى درس القانون، مثل أوباما. لكن من الواضح أن بوتين هو الشخص الأهم.

يقول أحد أعضاء مجلس الدوما الروسى: «بوتين هو الزعيم. لا خلاف فى هذا. فعندما جاء بوتين إلى الحكم، تحسنت الأحوال». وهو يتحدث عن حدس بوتين السياسى بالطريقة التى كان يتحدث بها الروس فى القرن 19 عن القيصر. ويضيف قائلا: «بوتين يعرف ما يحتاجه المجتمع أكثر من المجتمع نفسه».
وبوتين رجل صارم نجح فى جمع شتات مجتمع جريح بعد سقوط الشيوعية. فقد «خرجت روسيا من الفوضى التى ألحقت بها فى 1991 ندوبا سياسية ونفسية ــ اجتماعية بالغة»، كما يوضح أليكسى شيزناكوف، المستشار السابق لبوتين الذى يدير مركز السياسة المعاصرة. وعندما أصبح بوتين رئيسا فى 1999، جاء ومعه «السلطوية بالإجماع»، على حد قول رئيس مركز أبحاث روسى آخر.

ولا تزال روسيا الحديثة قلقه، لكنها مع هذا أكثر تنظيما. والروس قلقون من خليط القوميات داخل حدودهم،
والنوايا العدوانية لجارات مثل جورجيا وأوكرانيا. «إنه مجتمع محموم، ومثقل»، كما يعبر باحث أنثروبولوجى بارز، هو والكثير من زملائه، عن ضيقهم بالأوضاع. ويرى باحث اجتماع بارز أن الروس المنفعلين «يبتعدون عن حريتهم». فروسيا، بعد ضياع إمبراطوريتها، «أشبه بجسد مبتور الأطراف»، على حد قول فياشسلاف جلازيشيف، أستاذ التخطيط الحضرى الذى يترأس عدد من المعاهد. ويضيف إنها تعانى من «رعب الفراغ». ويقول أحد أعضاء الفريق الروسى «إننا نريد المساواة. نريد الاعتراف بمصالحنا والإقرار بأهميتها». لكن عندما طلب الأمريكيون الحاضرون ذكر أشياء محددة، قال سياسى بارز: «المشكلة الحقيقية هى أننا لا نعرف ما الذى نريده».

وجاءت خلاصة معادلة بوتين فى ورقة مقدمة من مستشار بالكرملين يدعى كوليروف: «بدون روسيا (أى بدون حكومة موحدة وآمنة)، لا يمكن أن تكون هناك حرية».

وجعلنى هذا أفكرة ثانية فى مفارقة كبير المحققين. ولذا، سررت عندما طمأن مستشار آخر من مستشارى بوتين، وهو ناشر ساعد فى تنظيم المؤتمر، المجموعة الحاضرة بأن هذه المشكلات تعود إلى ما يزيد على القرن: «هذا نقاش روسى كان يمكنك أن تشهده منذ زمن ديستويفسكى».

(c) 2009, Washington Post Writers Group


التعليقات