الحرب الباردة تعود إلى إفريقيا من جديد - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:13 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب الباردة تعود إلى إفريقيا من جديد

نشر فى : الجمعة 5 يوليه 2019 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 5 يوليه 2019 - 9:35 م

نشر الكاتب «مهارى تاديل مارو» مقالا على مدونته يتناول فيه الحرب الباردة فى إفريقيا بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية والصراع بينهما لفرض سيطرتهم على القارة السمراء.
عُقد الشهر الماضى فى مابوتو، عاصمة موزمبيق، القمة التجارية الأمريكية الإفريقية الثانية عشرة، وهى حدث رفيع المستوى حضره 11 رئيس دولة وحكومة إفريقية وحوالى 1000 من قادة الأعمال. وخلال هذا الحدث الذى استمر لثلاثة أيام، وكشف المسئولون الأمريكيون عن استثمارات بقيمة 60 مليار دولار فى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، مع التركيز بشكل خاص على إفريقيا. وجاء هذا الإعلان بعد ستة أشهر من عرض مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون «استراتيجية أإفريقيا الجديدة» لإدارة ترامب. ووفقًا للوثيقة: «يقوم منافسو القوى العظمى، أى الصين وروسيا، بتوسيع نفوذهما المالى والسياسى بسرعة فى جميع أنحاء إفريقيا.. والاستثمار فى المنطقة لاكتساب ميزة تنافسية على الولايات المتحدة». «وأظهرت الولايات المتحدة أنها تشعر بالقلق بشكل رئيسى من روسيا والصين ويبدو بالفعل أن إفريقيا ستصبح ساحة معركة أخرى للحرب التجارية المتصاعدة بين بكين وواشنطن».
ومع ازدياد الوجود العسكرى الأجنبى والتوترات الدبلوماسية المتزايدة، تشهد القارة بالفعل العلامات الأولى لحرب باردة جديدة ناشئة. والتى ستشكل خطرا على عملية التنمية والسلام فى القارة السمراء.

الحرب الاقتصادية
لطالما كان نهج الصين تجاه إفريقيا موجها نحو التجارة. وأصبحت القارة واحدة من الوجهات الرئيسية للاستثمار الصينى بعد أن أدخلت بكين سياسة «الخروج» فى عام 1999 والتى شجعت الشركات الخاصة والمملوكة للدولة على البحث عن فرص اقتصادية فى الخارج.
ونتيجة لذلك، زادت التجارة الصينية مع إفريقيا 40 مرة خلال العقدين الماضيين؛ وفى عام 2017، بلغت 140 مليار دولار. وبين عامى 2003 و2017، قفزت أيضًا تدفقات الاستثمار الأجنبى الصينى نحو 60 ضعفًا لتصل إلى 4 مليارات دولار سنويًا. وتبلغ قيمة أسهم الاستثمار الأجنبى المباشر 43 مليار دولار ــ وذهب جزء كبير منها إلى مشاريع البنية التحتية والطاقة.
توسعت الصين بشكل كبير فى السكك الحديدية الإفريقية، حيث استثمرت فى مشاريع مختلفة فى كينيا وإثيوبيا وجيبوتى وأنجولا ونيجيريا، وتقوم فى الوقت الحالى ببناء محطة ضخمة للطاقة الكهرومائية فى أنجولا وأنشأت أطول سكة حديد فى إفريقيا تربط إثيوبيا وجيبوتي؛ وقامت ببناء مقر الاتحاد الإفريقى فى أديس أبابا.
وعلى النقيض من ذلك، لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى إفريقيا على أنها ساحة قتال حيث يمكنها مواجهة أعدائها، سواء كانوا من السوفييت خلال الحرب الباردة، أو الإرهابيين بعد 11 سبتمبر أو الصينيين الآن. ولم تبذل واشنطن حقًا أى جهد لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع القارة.
ونتيجة لذلك، انخفضت التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا من 120 مليار دولار فى عام 2012 إلى ما يزيد قليلا على 50 مليار دولار اليوم. كما انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى الولايات المتحدة من 9.4 مليار دولار فى عام 2009 إلى حوالى 330 مليون دولار فى عام 2017. وتعتبر الاستثمارات الجديدة التى تم الإعلان عنها مبادرة موضع ترحيب من الولايات المتحدة ولكنها لن تكون قادرة على تحدى الوجود الاقتصادى الصينى فى القارة.
اتهمت الولايات المتحدة الصين مرارًا وتكرارًا باستخدام «الديون لإبقاء الدول الإفريقية أسيرة لرغباتها ومطالبها» وحذرت الدول الإفريقية من «دبلوماسية الديون» الصينية التى يفترض أنها لا تتوافق مع استقلال الأمم الإفريقية والمجتمع المدنى وتشكل «تهديدًا كبيرًا لمصالح الأمن القومى الأمريكى».
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن إفريقيا ليست سوى رابع أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبى المباشر الصينى بعد أوروبا (بشكل أساسى ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا) والولايات المتحدة وكندا وآسيا. وتبلغ ديون الولايات المتحدة لمنافستها حاليًا ما يقرب من 1.12 تريليون دولار. فى حين أن إفريقيا مدينة للصين بحوالى 83 مليار دولار.
إن الأفارقة قلقون إزاء المديونية العالية والاختلالات التجارية ونوعية السلع والخدمات الصينية الرديئة نسبيا وتطبيق بكين لمعايير العمل والممارسات البيئية الأدنى. لكن الكثيرين لا يشاركون المنظور الأمريكى بأن علاقتهم الاقتصادية مع الصين تضرهم وعلى النقيض يرون أنها فرصة توفر التمويل غير المشروط الذين هم فى أمس الحاجة إليه. وكما أوضح رئيس جيبوتى اسماعيل عمر غيله قائلا: «الحقيقة هى أنه لا أحد سوى الصينيين يقدمون شراكة طويلة الأمد».
إن الضغط الذى تمارسه الولايات المتحدة حاليا على البلدان الإفريقية للابتعاد عن الشراكات مع الصين يمكن أن يضر الاقتصادات الإفريقية ويجبرها على خيارات لا تخدم مصالحها الاقتصادية. وفى الوقت نفسه، فإن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تؤثر بالفعل على القارة. ووفقًا لبنك التنمية الإفريقى، فقد يتسبب ذلك فى انخفاض الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 2.5 فى المائة للاقتصادات الإفريقية الكثيفة الموارد وتراجع 1.9 فى المائة بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط.

العسكرة
قد تؤدى التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين إلى تهديد أمن القارة حيث أن كلا البلدين متورطان عسكريًا فى إفريقيا.
على مدى السنوات الـ 15 الماضية، انخرط جيش التحرير الشعبى الصينى فى عدد من المهام الأمنية فى جميع أنحاء القارة، حيث قدم مساهمات فى عمليات حفظ السلام وقدمت تمويلًا كبيرًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية للوساطة التى قامت بها فى جنوب السودان.
وفى عام 2017، تم افتتاح أول قاعدة عسكرية صينية بالخارج فى جيبوتى وتستضيف حاليًا حوالى 400 من أفراد وقوات الجيش، وتتسع لاستيعاب 10000 فرد، ومن المفترض أن تقدم الدعم لعمليات مكافحة القرصنة المستمرة للبحرية الصينية، ولكنها تلعب أيضًا دورًا فى تأمين الطرق البحرية. إلا أن الوجود العسكرى للصين فى إفريقيا يتضاءل مقارنة بالوجود الأمريكى. خلال السنوات القليلة الماضية، أدارت القيادة الأمريكية فى إفريقيا حوالى 36 عملية عسكرية مختلفة فى 13 دولة إفريقية ولديها أكثر من 7000 جندى منتشرين فى القارة.
لديها قاعدة كبيرة فى جيبوتى ــ أكبر قاعدة عسكرية أمريكية دائمة فى إفريقيا ــ لكنها تدير أيضًا 34 موقعًا عسكريًا آخر على الأقل منتشرة فى غرب وشرق وشمال القارة حيث تنتشر القوات الأمريكية والعمليات العسكرية.
على الرغم من أن المواجهة المباشرة بين القوات الأمريكية والصينية فى إفريقيا أمر من الصعب أن يحدث، إلا أن تواجدهم المتزايد يزعزع استقرار القارة.

تزايد التوترات الإقليمية
وجدت جيبوتى فى الآونة الأخيرة نفسها فى قلب المواجهة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين. كونها البلد المضيف للقواعد العسكرية لكلتا الدولتين، هذه الدولة الصغيرة وجدت أن عليها أن تلعب دورا توازنيا صعبا.
فى عام 2018، سيطرت جيبوتى على محطة دورالية للحاويات من شركة موانئ دبى العالمية الإماراتية، مدعية أن تشغيلها يهدد سيادتها. وكانت السلطات الجيبوتية تخشى من أن يشكل استثمار الإمارات فى ميناء بربرة القريب فى منطقة أرض الصومال ذات الحكم الذاتى، تحديًا لموقعها كمركز بحرى رئيسى لاقتصاد إثيوبيا الكبير.
لكن قرارها بإنهاء العقد مع موانئ دبى العالمية أثار رد فعل حاد من واشنطن، الحليف الإماراتى المقرب. حيث تخشى إدارة ترامب أن تقوم جيبوتى بتسليم السيطرة على المحطة إلى الصين.
حذر بولتون من أنه «فى حالة حدوث ذلك، فإن ميزان القوى فى القرن الإفريقى ــ الشرايين الرئيسية للتجارة البحرية بين أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا ــ سوف يتحول لصالح الصين.
وتم إجبار جيبوتى على التصريح علنيًا أنها لن تسمح للصين بالسيطرة على المحطة، لكن هذا لم يخفف من مخاوف الولايات المتحدة.
السودان كان أيضا ساحة حرب مستمرة بين القوى العظمى. حيث كانت الصين داعمًا للرئيس عمر البشير على طول الخط. وفى ظل حكم البشير، أصبحت بكين تسيطر على صناعة النفط، حيث اشترت نحو 80 فى المائة من نفطها، وبالتالى زوّدت الخرطوم بأموال تحتاج إليها لشن حرب ضد مختلف الجماعات المتمردة. وكانت أيضًا واحدة من الدول القليلة، إلى جانب روسيا، التى ستخرق الحظر الذى تفرضه الأمم المتحدة على الأسلحة وتبيع الأسلحة لنظام البشير.
وبعد حصول جنوب السودان على الاستقلال فى عام 2011، استمرت الصين فى كونها حليفا وثيقًا للنظام السودانى وشريكا تجاريا رئيسيا. فى الواقع، أصبح السودان المستفيد الأكبر من حزمة الاستثمار التى تبلغ قيمتها 60 مليار دولار والتى تعهدت بها الصين فى عام 2018، حيث تم شطب نحو 10 مليارات دولار من الديون الصينية. ووضعت الحكومة الصينية أيضًا الكثير من الخطط لتطوير منشآت فى بورتسودان، حيث تدير محطة نفطية هناك بالفعل.
وعندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية فى ديسمبر من العام الماضى، وقفت بكين إلى جانب البشير، الذى اعتبرته الضامن الرئيسى للاستقرار فى البلاد. وفى هذه الأثناء، أثبتت الولايات المتحدة أنها لا تريد أن يترشح البشير لفترة أخرى. وتمت الموافقة على إقالته فى واشنطن، والتى بدا أنها تدعم مصالح المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فى البلاد.
بصرف النظر عن جيبوتى والسودان، شعرت بلدان أخرى فى المنطقة بعواقب محاولة الولايات المتحدة لاحتواء الصين. وزادت هذه المواجهة السياسية من التوترات المتصاعدة بالفعل بين اللاعبين الآخرين فى المنطقة وهكذا، وعلى المدى الطويل، ونظرًا لوجود صراعات فى المنطقة، يمكن أن يكون للحرب الباردة الأمريكية ــ الصينية تأثيرا ضارا، ليس فقط على اقتصادها ولكن أيضًا على أمنها.
وفى هذه المرحلة، وللحفاظ على مصالحها، تجد إفريقيا نفسها أمام خيار واحد فقط وهو رفض الضغوط للانحياز إلى إحدى القوتين. حيث يجب على الدول الإفريقية دعم سيادتها فى السياسة وصنع القرار واتباع المسار الذى يخدم مصلحة دولها. وإذا أرادت الولايات المتحدة التنافس مع الصين فى القارة، فعليها أن تفعل ذلك عن طريق اكتساب ميزة تنافسية من خلال تقديم بدائل أفضل وأكثر مصداقية للبلدان الإفريقية من البدائل التى طرحتها الصين.
لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا طورت الولايات المتحدة استراتيجية تركز على إفريقيا نفسها، وليس على احتواء وتقويض أعمال طرف ثالث.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى:من هنا

التعليقات