أن تكون أنت الآخر! - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أن تكون أنت الآخر!

نشر فى : الأربعاء 6 يناير 2010 - 10:01 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 يناير 2010 - 10:01 ص

 يرى كثيرون أنه من العجيب أن أكون المسلمة الوحيدة فى نطاق المكتب الذى أعمل به، وتصبح بعض الممارسات كالصلاة والصيام ممارسة للأقلية وليست للعامة كما اعتدنا، لكنى لا أرى الأمر على هذا النحو تماما بشكل عام تربكنى الأسئلة عن الديانة ولا ألتفت لها نهائيا.

فقط أنظر للأمر على أنه عبادة مختلفة لله، يحدث كل منا الله بشكل مختلف، فى دعائى اليومى أحدث الله ليس من خلال نص محدد، أحادثه كما يحلو لى.. أطلب منه كما أشاء، هكذا تفعل صديقتى الأقرب نانيس، وهى مسيحية، تحدثه بلغتها، كثيرا ما نمر بأوقات أزمة حقيقية لكلينا، فتطلب كل منا من الأخرى أن تدعو وتصلى لها.

السؤال الذى يؤرقنى هو لماذا نقف كثيرا أمام الآخر ونرفضه؟ أستمتع بشدة بالبحث فيما وراء الكلام ودلالته، فمثلا لدىّ صديقة مسيحية من طبقة شعبية عندما تتحدث بتلقائية حتى فى وجودى، فتقول: «رحنا لدكتور مسلم بس كويس» ابتسم لأن لى صديقة أخرى مسلمة كنت أطلب منها عنوان نجار فاعتذرت لأنها لا تعرف غير عم جرجس!
هذا الحوار يعكس رفضا للآخر، أظن أننا بحاجة إلى مواجهته عبر فكرته الأساسية وهى أن الآخر ليس مثلى أو لا يؤمن كما أؤمن، وهى فكرة موجودة لدى الطرفين، وأظن أننا بحاجة إلى مواجهتها بأساليب عدة، بداية بالتنشئة الاجتماعية، ومرورا بمناقشة الفكرة.

منذ سنوات طويلة وأنا صغيرة لم يكن هناك آخر مختلف عنى، فجارة جدتى المسيحية لم تكتسب صورة الآخر فى ذهنى إلا بعد حديث مدرستى فى المدرسة عن المسيحيين، كنت أظن أن كلنا مصريون، هذا هو البعد الوحيد الذى كنت أنظر إليه وقتها، لكن المدرسة سامحها الله كانت تزرع أول مبادئ الاختلاف وتنمى عدم قبول الآخر.

فى هذا الوقت أصر والدى على مراجعة المدرسة وتصحيح الفكرة، وهو دور فى غاية الأهمية يجب أن يقوم به الأهل، متابعة ما يدور فى أذهان أبنائهم من أفكار ومناقشتها وتصحيح الأمر لدى المصدر، والدى كان إيجابيا وفعلها.

تنشئة جيل جديد يكتشف ما هو مشترك بيننا ويتمسك به أفضل من اعتباره آخر يضطر إلى التعامل معه، أتذكر مدرسة فى الابتدائى، كانت تؤكد كثيرا على الاختلاف بين المسلمين والمسيحيين وتظل تسألنا عن أوجه الاختلاف وتعمق فينا هذا الاتجاه، ولا أظن أن المنهج التعليمى وقتها كان يحتوى على ذلك، فقط كان مجرد اجتهاد منها لبث قيم معينة فينا.

من أفضل الأشياء الإيجابية رغم بساطتها أن يوم 7 يناير إجازة لدى الجميع، وأقترح أن تصبح جميع الأعياد المسيحية المهمة إجازة لدى الجميع، فهذا يشعرنا بأنها مناسبة تخصنا جميعا لأن لكل منا طقوس سيمارسها فى هذا يوم حتى ولو كانت لا تمت للعيد بصلة.

المحور الثانى الذى أراه فى غاية الأهمية أن نقوم بمراجعات فكرية ومناقشات حول مدى صحة معتقداتنا وأفكارنا حول هذا الآخر، ومن أفضل المبادرات الشبابية فى هذا الاتجاه مبادرة «مصالحة ومصارحة.. معا أمام الله»، والتى أطلقها مجموعة من المدونين المصريين وعقدوا من خلالها عدة جلسات تحدثوا فيها مسلمين ومسيحيين حول نظرة كل منهم لهذا الآخر وقدموا مراجعات عدة حول الفكرة، وهذا ما نحتاجه بشكل جماعى وبشكل فردى.

أن يقوم كل منا بمراجعاته حول فكرة قبول الآخر بشكل مبدئى، أظن أن فكرة أن تكون أقلية فكرة مزعجة جدا ــ هذا فى رأى ــ فمثلا فى رمضان أنزعج بشدة لأننى الوحيدة، التى تصوم فى المكتب، وذلك على الرغم من أنهم يحترمون طقوسى جدا، لكنى أتخيل لو كنت أنا الآخر فى المجتمع، ومورس ضدى كل أنواع السخف، التى يمارسها البعض، أظن التجربة ستكون مؤلمة بالفعل.

إذن نحن نحتاج للعمل أيضا بشكل مؤسسى على تعميق فكرة قبول الآخر، فمثلا لماذا يضطر الطلبة، مسلمين ومسيحيين، إلى حفظ نصوص من القرآن فى مادة العربى ولا يدرسون آيات من الكتاب المقدس كمعرفة بالديانات، كثيرون جدا لا يعرفون شكل الكتاب المقدس ومحتواه، وبالتالى تنطلق مجموعة من التخمينات السحرية حول مضمون الكتاب.

بعيدا عن كل ذلك.. اليوم بالفعل عيد.. جميعنا نشترك فى أننا سنمارس طقوسا مختلفة فى يوم الإجازة، ربما نبدأ صباحنا اليوم بذكر الله.. كل بطريقته سيدعو الله دعوة خاصة ليستجيب له.. كل عام ونحن طيبون.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات