شعبوية دافوس - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شعبوية دافوس

نشر فى : السبت 6 فبراير 2010 - 10:07 ص | آخر تحديث : السبت 6 فبراير 2010 - 10:07 ص

كان منتدى دافوس الاقتصادى هو آخر مكان كنت أتوقع له مواجهة الشعبوية الجديدة. لكن عندما يبلغنى مسئول موقر ببنك مركزى أوروبى، رجل يشى سلوكه بقيم الرأسمالية القديمة، بشكل شخصى، أنه مقتنع الآن بأهمية عدم ترك النظام المالى للسوق الحرة، أدركت أننا ضللنا الطريق إلى منطقة جديدة.

وتتمثل قيمة دردشات قهوة الصباح هذه فى أنها يمكن أن تنبهك عندما تبلغ الأفكار مرحلة حرجة. ويبدو أن ذلك ما حدث هذا العام فى هوجة الحماس العام لما أطلق عليه «ما بعد الرأسمالية» بين كبار الساسة ورجال الأعمال المجتمعين هنا. وهم يسلمون بفشل السوق الحرة فى أزمة 2008، وأن النظام الجديد سيكون أكثر انضباطا، وأكثر تدخلية، وأكثر حيطة من النظام القديم.

وهذا التغير الذى طرأ على إجماع المنتدى مهم لأن المنتدى ظل على مدى السنوات القليلة الماضية الرمز المرشد لنموذج الاقتصاد الطليق المعروف بـ«العولمة» ــ عالم مترابط تعززه حواجز جمركية أقل، وأسواق منضبطة، وتدفق رءوس الأموال وقوة العمل دون عائق. وخلال السنوات الماضية، كانت مطالبة دافوس بالمزيد من الانضباط المالى تقابل بالقهقهات ثم يأتى انعقاد «المنتدى المفتوح» المناهض للعولمة فى وقت لاحق.

وكانت رؤية دافوس نفسها للعولمة ــ وللموجات المتصاعدة التى أغرقت المزيد من السفن ــ بمثابة فقاعة. ويمكننا أن نرى هذا بوضوح الآن. فقد انفجرت هذه الفقاعة فى أزمة خريف 2008، وترتب عليها نتائج مدمرة للاقتصاد الحقيقى فى 2009. لكن المنتدى يأخذ فى اعتباره التحول الذى طرأ على المزاج حتى هذا العام. فلم تركز أعماله على الاحتفاء بالعولمة وإنما على «إعادة التفكير، والتصميم، والبناء»، على حد تعبير أوراق مؤتمر هذا العام.

وإذا استعنا بملخصات الجلسة، «ستكون هناك عودة إلى (المشروعات المعتادة).. وهناك حاجة ملحة الآن للمزيد من إجراءات التدخل فى النظام المالى». وقد تصدر الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، الذى افتتح المؤتمر بخطاب يحث فيه مواطنى العالم على إصلاح النظام، لدعم هذه المطالب. قال ساركوزى: «منذ اللحظة التى قبلنا فيها بفكرة أن السوق دائما على حق، انفلت عقال العولمة». وقال إن التأكيد على التجارة الحرة قد «أضعف الديمقراطية». وانتهكت القيم الإنسانية على يد مضاربين بلا قلب أو ضمير «لم يكن يعنيهم إلا الحاضر».

من غير ساركوزى يمكنه شن هذا الهجوم اللاذع على الاقتصاد العالمى بهذا القدر من الإمتاع؟ الرجل هو أكثر الشخصيات إمتاعا على الساحة العالمية: إنه يتجهم، ويهز كتفيه، ويتبختر. وعندما يرتدى بذلات «رات باك» الجلدية، يصبح دين مارتن الفرنسى.

وعندما انتهى من تعنيفه للرأسمالية، حظى بالتصفيق المتواصل من جانب جمهور مؤلف فى معظمه من أثرياء الرأسماليين.. وقد يكون هذا هو سحر دافوس.

لكن لم يكن ساركوزى وحده الذى دعا إلى المزيد من التدخل الحكومى. فقد كان هذا النوع من الهجوم على السوق هو النغمة السائدة فى دافوس هذا العام، وهو ما يخيفنى قليلا، صراحة. فقد سمعت تنويعات عليها من رجل المال جورج سوروس، والرئيس التنفيذى للمنتدى الاقتصادى العالمى، كلاوس شواب، وكثيرين غيره من كبار رجال الأعمال والاقتصاديين. وعندما يتأرجح البندول بهذه القوة والسرعة، تصبح على يقين من حدوث رد فعل مبالغ فيه يثير المشكلات فى المستقبل.

والأمريكيون اليوم بحاجة لأن يفهموا أن أزمة 2008 المالية أثبتت مسألة ظل كثير من الأوروبيين والآسيويين يشيرون إليها على مدى عقود، وهى أن «تحرير الاقتصاد»، بالصورة التى نجدها فى بريطانيا والولايات المتحدة، يخلق اعتمادا شديدا وخطرا على السوق. وخلال سنوات الازدهار، كانت شكاواهم أقرب إلى الأنين، لا أكثر.

أما فى العالم الجديد، يمكن أن نستمع إلى محاضرات من المسئولين الصينيين عن الحاجة إلى «تحقيق الاستقرار القائم على التوازن» عن طريق التحكم فى أسعار العملات، حسبما قال لى أحد الحضور الصينيين هنا بصفة شخصية. ويمكننا أن نتوقع مطالبات بمعايير لقوة العمل الدولية تعكس الجمود الذى تفرضه النقابات الأوروبية (كما يطالب الرئيس ساركوزى). وهذا ثمن فشل العولمة.

وكانت الخطوط العامة للعالم المنضبط واضحة هذا الأسبوع، وجاء التركيز على السلامة والاستقرار متأخرا. وكل ما كنت أتمناه هو أن أكون أكثر إيمانا بقدرة المنظمين على حل المشكلات. ألم يكن من المفترض أن يحول قانون سربانيز ــ أوكلى لعام 2002 دون ظهور أى شركة جديدة من نوع شركة إنرون؟ ألم يكن لفانى ماى منظمها الخاص الذى كان يفترض أن يراجع سجلاتها؟ ألم تكن البنوك المنظمة هى أكثر المضاربين فظاعة فى 2008؟

وتلك هى المشكلات التى على المنتدى أن يفكر فيها مستقبلا، عندما يدرك الأخطاء التى وقعت فى 2010 بإقامة النظام «ما بعد الرأسمالى».


(c) 2010, Washington Post Writers Group  

التعليقات