الحياة فى ظل اقتصاد إعادة التأهيل - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحياة فى ظل اقتصاد إعادة التأهيل

نشر فى : الخميس 6 أغسطس 2009 - 9:33 م | آخر تحديث : الخميس 6 أغسطس 2009 - 9:33 م

 ربما توحى الفورة التى حلت على سوق الأسهم مؤخرا بعودة أيام الرخاء. ولكننى توصلت إلى صورة أقل وردية عن مستقبل اقتصادنا عندما استمعت إلى مسئولى إدارة أوباما وكبار رجال الأعمال على مدار الأسبوع الماضى. ومن المرجح أن يأخذ الانتعاش المتحقق شكل الحرف «V» الذى يبدو إلى حد كبير أشبه بحرف «L» يميل إلى أعلى تدريجيا، بقدر ما تسترد أمريكا عافيتها من آثار الرواج الطويل الذى تسببت فيه الديون، والذى بدأ فى الثمانينيات.

وقد تقولون إنه اقتصاد فى مرحلة إعادة التأهيل يعمل على التخلص من التجاوزات والاختلال المسبب لانهيار 2008. وسوف تظل معدلات الادخار مرتفعة، حيث يحاول الناس حماية أنفسهم وعائلاتهم من انهيار آخر فى السوق؛ وسوف يقل الاختلال التجارى المزمن الذى اتسمت به العقود العديدة الماضية، حيث يخفض الأمريكيون استهلاكهم لكل شىء، بما فى ذلك الواردات الأجنبية. إنه اقتصاد ما بعد الصخب، حذر ومحترس مع السماح بقدر أقل من المخاطرة، بما يتوافق مع ذلك من عائد أقل.

يأمل البعض فى أن يعنى انتعاش الاقتصاد عودة الحياة إلى ما كانت عليه من قبل. وظهر هذا الحماس مع ارتفاع مؤشر داو جونز الصناعى إلى ما يزيد على 9000. وربما تخيل المستثمرون أن الكابوس انتهى وإننا سوف نستيقظ على عالم مندفع إلى أعلى عبر النمو السريع والعوائد الكبيرة. إنه تفكير جسور، ولكنى لا أعتقد أن ذلك سيحدث.

والأرجح أنه بما أن الاقتصاد أخذ فى النمو مرة أخرى، فسوف تكون هناك بعض الكوابح التلقائية. إذ سوف ترتفع الضرائب وأسعار الفائدة حتى نتمكن من سداد ديوننا. وسوف تكون عوائد الاستثمار أقل مما شهدنا فى العقود العديدة الماضية، وسوف يؤدى ذلك كله إلى مزيد من نزعة المخاطرة.

وقد يستمر الناس فى جنى المزيد من الأموال فى ظل اقتصاد إعادة التأهيل هذا. ولكن لا يحتمل أن يتكرر تراكم الثروات الذى حدث فى الثلاثين عاما الماضية، عندما صار الناس يتوقعون عوائد سنوية من السوق المالية تزيد على 10%. وسيكون النمو أبطأ. ولن تكون التقلبات إلى أعلى شديدة الارتفاع، وبالمثل لن يكون الهبوط حادا.

وسوف يكون اقتصاد إعادة التأهيل ذا نزعة جماعية أيضا، حيث سيكون به دور أكبر للقطاع العام فى الرعاية الصحية (ناهيك عن البنوك وشركات السيارات)، وسيحدث تراجع متناظر فى سياسة عدم التدخل فى الاقتصاد المرتبطة بالقطاع الخاص. وسوف يكون توزيع الدخل أكثر عدلا، مع حماية اكبر للفقراء وقيود أكبر على الأغنياء. وقد يقول المحافظون إن تلك التغييرات تصنع أمريكا الاشتراكية، ولكن فى الحقيقة، هى تعكس عودة إلى النماذج التى سادت فى جزء كبير من القرن العشرين.

إذا أردت تصور مستقبل أمريكا، فانظر إلى رسم بيانى يوضح مؤشر داو جونز على مدى زمنى طويل. فمنذ أواخر الخمسينيات وحتى أوائل الثمانينيات، ظلت حركة داو جونز فى نطاق ضيق إلى حد ما، حيث يعلو ويهبط غالبا فيما يتراوح بين 750 و1000 نقطة. ثم جاء الارتفاع الكبير بعد ذلك.

ولم يكن عالم النمو البطىء هذا شرا كله: فيسترجع الناس فى حنين الفترة التى بدأت فى أواخر الخمسينيات حيث رخاء ما بعد الحرب العالمية. كانت تلك فترة تعنى بالنسبة لمتوسطى الأمريكيين أن نمطا جديدا من حياة الطبقة الوسطى صار ممكنا. كما مثلت عنفوان الشباب لما أطلق عليه جون كينيث جالبريت «الدولة الصناعية الجديدة»، فكانت النقابات العمالية قوية؛ وإدارة الشركات قاسية، بل متحجرة القلب فى بعض الأحيان ـ على النحو الذى جسدته رواية «الرجل ذو البدلة الجوخ الرمادية»The Man in the Gray flannel suit رواية حول بحث الأمريكيين عن هدف فى عالم تحكمه السوق، تأليف سلون ويلسون وتحولت إلى فيلم اشتهر فى أمريكا عام 1956. ولم يكن العمال والمديرون إلى حد بعيد يعيشون فى حدود السوق الضيقة.

ولكن كانت خطورة عالم النمو البطىء المريح هذا أنه لم يكن يكافئ على نحو ملائم الابتكار والمخاطرة. وينتابنى هذا القلق بشأن اقتصاد إعادة التأهيل. فهل يمكن دون حوافز كبرى أن يأتى المبتكرون بأفكار تغير العالم، وهل يمكن لأسواق المال أن تكون مرنة بما يكفى لتمويلهم؟

ومن القواعد الجيدة ألا تراهن أبدا ضد أمريكا، ففى المدى الطويل من المؤكد أنها سوف تبتكر وتنمو وتزدهر. ولكن خلال السنوات القليلة المقبلة، من المرجح أن تكون البطالة عالية ومستعصية، وأن ترتفع أسعار الفائدة، وأن يكون عائد الاستثمار محبطا فى قطاعات عديدة.

وأواصل تذكير نفسى بأن اقتصاد إعادة التأهيل أمر جيد بالنسبة لنا: ادخار أعلى، ديون أقل، واردات أقل، أداء مالى أقل مخاطرة. ولكن علينا أن نكون نزيهين بشأن العقبات التى ينطوى عليها هذا النموذج الجديد، وكيفية تذليلها، حيثما يمكن ذلك.

وقد ساعدت سياسة الاقتصاد الذى على شكل حرف «L» فى انتخاب باراك أوباما. فكان حضوره مطمئنا حينما بدت الأسواق فى سقوط حر. ولكن الآن ستكون وظيفة أوباما الدعوة إلى الصبر والتضحية. وليست هذه رسالة تحظى بالقبول بحال من الأحوال.

c) 2009, Washington Post Writers Group

التعليقات