الوصم لا يحصد إلا الوصم! - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوصم لا يحصد إلا الوصم!

نشر فى : الثلاثاء 7 يوليه 2009 - 9:57 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يوليه 2009 - 9:57 م

 قليل من الكتابة الذاتية ربما يفيد فى كتابة هذا المقال بالذات، أن تشعر بأنك غريب دوما، تحاول أن تثبت للآخرين أنك تشبههم، لكنهم لا يصدقون، دوما يتم تصنيفك بأنك خارج نطاقهم، هكذا أنا .. تصفنى بعض صديقاتى بأننى غريبة ومتحررة. أقوم بأشياء عدة فى نفس الوقت، أسافر كثيرا ولا أعيش كما تعيش النساء المتزوجات، لا أرى نفسى فى تلك الصورة.. وفى نفس الوقت ترانى بعض صديقاتى المتحررات أننى محافظة وأكاد أمثل صورة نمطية للمرأة المتزوجة العاملة، لكننى أيضا لا أرى نفسى كذلك.

كلا الاتجاهين وصمنى بشكل مختلف عن الآخر، لكن الوصم يبقى اتجاها أساسيا فى التعامل مع الشخص المختلف عنك.
كنت أبحث عن الدراسات التى تحدثت عن مفهوم الوصم من الناحية النفسية لكنى وجدتها فى معظمها تتحدث عن وصم المرضى خاصة المرضى العقليين ومرضى الإيدز، لكننى أرى فئات أخرى يتم وصمها فى مجتمعنا، فالوصم ما هو إلا اتجاه سلبى يتبناه البعض تجاه الأشخاص المختلفين والخارجين عن نطاق ما تحدده الجماعة على أنه شائع.

فمثلا تعانى البنات المدمنات من وصم فظيع من المجتمع، فإحدى البنات المدمنات التى أعرفها ولها أخ مدمن، تعانى من نظرة عائلتها لها وعدم تسامحهم معها رغم تعافيها، وذلك على الرغم من تسامحهم مع أخيها المدمن وفخرهم بتعافيه. فأهلها لديهم معتقدات خاطئة ومغلوطة عن إدمان الإناث، وبالتالى يشعرون بالغضب تجاه ابنتهم المدمنة، لذا فهم يسلكون بشكل عدوانى تجاهها.

فالوصمة باعتبارها اتجاها، تتكون من ثلاثة مكونات أولها وهو المكون المعرفى الذى يشمل المعلومات والمعتقدات التى يكونها الشخص تجاه موضوع ما، ثم المكون الوجدانى وهو الشعور والانفعالات التى يشعر بها الفرد إزاء هذا الموضوع، والمكون السلوكى وهو ما ينتج من سلوك كرد فعل لمعلومات الشخص ومعتقداته وقيمة وما يشعر به.

من المثير للضحك فكرة تبادل الوصم بين فئتين، فبينما يصم المجتمع المدمنين مثلا باعتبارهم من أصحاب السلوكيات الخطرة، يصم المدمنون الأشخاص الآخرين ممن لم يمروا بخبرة الإدمان بأنهم أشخاص ليست لديهم مشكلات ويعيشون فى رفاهية ولن يشعروا بهم أبدا، لذا تجد عداء شديد بين المدمن والطبيب النفسى ورفضا من قبل المدمن للذهاب للطبيب لأنه شخص طبيعى لم يمر بظروفه وبالتالى لن يفهمه .

نعود للوصم الذى يتبادله أفراد المجتمع تجاه بعضهم البعض، فبمجرد اختلافك عن الآخر وتبنيك قيما تختلف عن قيمه قد يعرضك للوصم، فالمبدع الذى يحيا حياة مختلفة عن الآخرين وأولوياته تختلف عنهم قد يوصم بالجنون، ونفس الشخص قد يصم أشخاصا آخرين يختلفون مع اتجاهاته وأيدلوجيته الفكرية.

نحتاج للمرونة فى التفكير لكى نبتعد عن التصنيف والوصم، فعندما نراجع معتقداتنا وقيمنا تجاه فئة بعينها فنحن نواجه أولى المكونات الأساسية للوصم وهو المكون المعرفى، فمثلا يصم البعض المرأة المبدعة على أنها منحرفة.. وهنا على الشخص أن يواجه معتقداته ويراجعها، ويتساءل عن أسباب اقتناعه بذلك، وهل كل النساء المبدعات منحرفات وهل يقتصر الانحراف على النساء المبدعات فقط؟ وهل لكونه رأى نموذجا واحدا كذلك يمكنه أن يخرج بتعميم يصم به فئة بعينها، وهل الكتابة الإبداعية مثلا تعد انحرافا إذا كتبتها امرأة وتعد إبداعا وواقعية عندما يكتبها ذكر؟! كل تلك الأشياء يجب أن يناقشها الفرد مع نفسه، وبالتالى عندما يغضب رجل من زوجته لأنه اكتشف لها ميولا لنشر إبداعها فهو شعور مبرر نتيجة لمعتقداته ومعلوماته، ولا يمكن تغيير مشاعره إلا بتغيير قناعاته وبالتالى لن يتغير سلوكه أيضا .

كل منا مسئول فقط عن تغيير وصمه للفئة التى يراها كذلك، أتذكر تدريبا اكتشفت فيه أننى أصم بعض الأشخاص عندما تلقيت سؤالا حول الفئة التى أشعر بالوصم تجاهها، وكيف يمكننى تغيير ذلك؟

أنت الآخر اسأل نفسك نفس السؤال من هم الأشخاص الذين تصمهم؟ وكيف يمكنك تغيير ذلك؟

السؤال الأهم هل وصمك لفئة بعينها يساعدها على التغيير؟ وفقا للخبرة فى المجال والنظريات، الوصم لا يساعد على التغيير، عندما تساعد شخصا فقبولك له يساعده على التغيير، هذا لو كنا نتحدث عن سلوكيات خطرة، لكن فى حالة وصمك لفئة تمارس اختيارا فى الحياة لا يضر أحد، فأنت لن تحصد شيئا سوى كراهية الطرف الآخر ووصمه لك أيضا.

فكر مرتين قبل أن تصم أحدا، فأنت حتما لا تملك التبرير الكافى لفعل ذلك، واعلم أن هناك أشخاصا آخرين لا يملكون أيضا نفس التبرير يقومون بوصمك لمجرد أنك تختلف عما يعتقدون فيه.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات