عن معجزات الخروج من فخ الوسط - محمود محي الدين - بوابة الشروق
الخميس 28 نوفمبر 2024 12:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن معجزات الخروج من فخ الوسط

نشر فى : الأربعاء 7 أغسطس 2024 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 أغسطس 2024 - 8:00 م

أن يكون المرءُ منتميا إلى الطبقة الوسطى، وعاملا فى مشروع متوسط أو مالكا له، فى إحدى الدول متوسطة الدخل، فتوقعات وقوعه فى أحد فخاخ الوسط لا يمكن تجاهلها، واحتمالات خروجه منها فى الأحوال الراهنة، تستدعى معجزات.
ونبدأ بحال الدول متوسطة الدخل، التى حصرها تقرير التنمية فى العالم الصادر مؤخرا عن البنك الدولى فى 108 من البلدان التى يتراوح متوسط الدخول فيها بين 1136 دولارا و13845 دولارا سنويا. وهى تشكل مجتمعة 40 فى المائة تقريبا من اقتصاد العالم وتضم 75 فى المائة من سكانه، ويعيش فيها 63 فى المائة ممن يعانون الفقر المدقع. وقد قامت بعض هذه الدول فى السابق بنقلات نوعية فى نموها الاقتصادى، رفعتها من تصنيف الدول الأفقر والأقل دخلا إلى مصاف الدول متوسطة الدخل.
ولننظر مثلا إلى الصين التى انتشلت، من خلال سياسات الاستثمار والنمو المطرد، مئات الملايين من أبنائها من هوة الفقر حتى احتفت بالقضاء التام على الفقر المدقع فى عام 2020. ويرجع الفضل فى ذلك للنهج البراغماتى الذى تبناه دينج شياو بينج، أكبر المصلحين الاقتصاديين إنجازا فى القرن العشرين. ففى حين انساق البعض فى ربوع متفرقة من عالم الجنوب بطنطنة حول «الفقر ليس عيبا» مبررين بها أسباب التخلف الاقتصادى، وبمبادرات متهافتة لا تزيد الفقير إلا فقرا، وتشيع ثقافة معادية للكد والاجتهاد والمنافسة سعيا للربح واكتساب الثروة، انطلق بينج بداية من عام 1978 مبشرا فى مجتمع كانت تسوده أفكار مناهضة للتوجه الجديد لعقود طويلة، مؤكدا «أن تصبح ثريا فهذا أمر رائع». وتبنت دولته التحديثات الأربع فى الصناعة والزراعة والعلوم والجيش. وتم دفع الاستثمار فى البشر وتعلمهم ومهاراتهم وصحتهم، وفى البنية الأساسية والتطوير العمرانى، مع جذب الاستثمارات الأجنبية فتحققت معجزة اقتصادية قوامها العمل الشاق والسياسات المدروسة والمؤسسات الدءوبة.
ويشير كبير الاقتصاديين بالبنك الدولى، أندرميت جيل، فى تقديمه للتقرير المعنون «فخ الدول متوسطة الدخل»، إلى أن الخروج من هذا الفخ أصبح أكثر وعورة من الذى سلكته الدول التى تحقق لها الخروج من هذا الفخ فى السابق. وذلك لاعتبارات ديموغرافية، وزيادة الديون وتفاقم التحديات الجيوسياسية والقيود التجارية، وعدم القدرة على زيادة النمو دون إهدار المقومات البيئية والمناخية.
يجعل هذا من اتباع نمط النمو السابق مضيعا لفرص التنمية فى المستقبل، فوفقا لهذا النمط مع انخفاض متوسطات النمو ستحتاج الصين أكثر من 10 سنوات حتى تصل إلى ربع متوسط الدخل الأمريكى، بينما ستحتاج الهند إلى 75 عاما للوصول إلى هذا الهدف. فما استحق فى السابق وصف «المعجزة»، بمعنى قريب لما يردده الأشقاء فى تونس «بالخارق للعادة» عن أعمال تستحق الدهشة والإعجاب، لم يعد صالحا وحده الآن لنقل هذه الدول إلى المرتبة الأعلى بين مرتفعى الدخل.
والدول لا تعوزها المزيد من الخطط الطموحة، فلنتذكر ما ردده الملاكم مايك تايسون «كل لديه خطة حتى تأتيه لكمة فى وجهه». ولكمات العصر ومربكاته كثر بما يستوجب نهجا مختلفا. والأجدى، وفقا للتقرير، أن تتبنى الدول متوسطة الدخل نهجا ثلاثيا للاستثمار؛ الأول بزيادة الاستثمارات عموما، والثانى بضخ التكنولوجيا الجديدة بتوطينها من خلال الاستثمار، والثالث من خلال تشجيع الاستثمار فى التطوير والابتكار. ويحبذ التقرير أن تقوم الدول المنتمية للشرائح الدنيا فى الدخل المتوسط بدفع عمليات ضخ التكنولوجيا محليا مع زيادات الاستثمار، بينما يتوقع من دول الشرائح الأعلى إضافة بعدى التطوير والابتكار. ويقترح سياسات على مستوى المشروعات بترسيخ قواعد المنافسة العادلة؛ وكذلك تطوير المهارات وسياسات سوق العمل والهجرة وإثابة الجدارة والتميز. كما يولى اهتماما مستحقا للتعامل مع قيود الموارد، وخصوصا الطاقة، من خلال الاستثمار فى كفاءة توليد وتوزيع الطاقة وإعادة هيكلة قطاعات إنتاجها.
ولتفعيل هذا الإطار الثلاثى للاستثمار يعيد التقرير إحياء منهج الاقتصادى جوزيف شومبيتر عن «التدمير الخلاق» بما أورده فى كتابه «الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية». ويستلزم هذا التوازن بين ما يستحق التدمير من مشروعات سيئة، وأضيف إليها «الأفكار» أيضا، وما يستحق الإبقاء عليه، وما يستلزم السعى لإيجاده من عدم. فالتدمير الخلاق اقتصادياً لا يكون بإهلاك ما يستحق البقاء أو ما يستأهل التطوير، فلسنا بصدد ما هو على شاكلة إعلانات السبعينيات والثمانينيات التليفزيونية التى كانت تنادى «انسف... تخلص من حمامك القديم!». ويستلزم هذا تفاعلا عمليا لتحقيق التقدم الاقتصادى وتدافعا ومنافسة بين ما هو قائم فى الاقتصاد وما هو قادم إليه من مشروعات وأصحاب مهارات ومصادر للطاقة والموارد. وفى القلب من ذلك كله القضية المحورية للمنافسة العادلة واستواء الملعب لكافة اللاعبين، والتحرر من الجمود فى شأن ملكية المشروعات.

التعليقات