عواقب القيادة الهادئة - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عواقب القيادة الهادئة

نشر فى : الأربعاء 7 سبتمبر 2011 - 1:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 سبتمبر 2011 - 1:15 م

لعل من أسباب فوز باراك أوباما فى انتخابات الرئاسة، إنه تعهد بتغيير أولويات السياسة الخارجية لإدارة بوش، فهى لم تكن مقبولة خارجيا، ووترت العلاقات مع حلفاء رئيسيين، كما واجهت تحديا إيرانيا متزايدا، وتهديدا مستمرا من القاعدة. فماذا حدث خلال 32 شهرا مضت؟ كان هناك الكثير من العثرات والتخبطات، خاصة فى الاقتصاد العالمى. ولكن إذا ابتعدنا عن الصخب اليومى، سوف تتضح بعض الاتجاهات: فقد صارت التحالفات أقوى، والولايات المتحدة أقل تورطا ــ إلى حد ما فى  الحروب الخارجية، وصارت إيران أضعف، والعالم العربى أقل عدائية والقاعدة تتحين الفرار. ويرى توم دونيلون، مستشار أوباما للأمن القومى أن هذا لم يكن مصادفة، وأن الرئيس يستحق مصداقية أكبر بسبب إنجازه الأهداف التى طرحها فى 2009. وربما يقول إن جزءا من وظيفة مستشار الأمن القومى بالطبع أن يطرح تصورات. ولكنه من الصحيح أن أوباما كان قد أحرز نجاحا فى تنفيذ الأجندة التى قدمها فى يناير 2009 أكثر مما يقال عادة.

 

فلماذا تبدو سياسة أوباما الخارجية بلا معنى، وسط حديث الناس عبر أنحاء العالم عن تراجع قوة أمريكا؟ يرجع ذلك إلى تحفظ الرئيس، الذى يبدو أحيانا غير مبال، وما قاله أحد المستشارين للأسف، عن «القيادة من خلف الستار» ــ الذى علق بالأذهان لأنه يعطى مؤشرا عن التكتم غير العادى الذى يتسم به الرجل الجالس فى المكتب البيضاوى. وهناك عامل أكثر أهمية، وهو أن الإدارة تهدف إلى تخفيض الطموحات والتوقعات الأمريكية، وذلك من أجل مواجهة الواقع. و بالنسبة للجيل الذى تربى فى عهد جون كيندى على خطاب «ندفع أى ثمن، ونتحمل أى عبء» لا تبدو هذه الواقعية الجديدة جديرة بالقيادة. غير أن نهج التحفظ الأمريكى، ليس نزوة وإنما سياسة متعمدة.

 

ويقول دبلوماسى عربى بارز: «يتحدث البيت الأبيض إلينا عن تعديل البصمة الأمريكية» وأضاف «إنهم يريدون إعادة تقييم الكيفية التى تعمل بها الولايات المتحدة وتقود الآخرين». ويصف دونيلون ذلك بأنه «إعادة التوازن» فى السياسة الخارجية. ومازال على رأس الأولويات إخماد الحربين فى العراق وأفغانستان، وبصرف النظر عن الأنباء الحالية، فإن أوباما مصمم على الخروج من الاثنين. وهناك نوع ثان من إعادة التوازن، يدعمه النوع الأول، وهو زيادة الاهتمام بسياسة الولايات المتحدة نحو آسيا. والنوع الثالث إعادة تشكيل العلاقات مع روسيا، التى يرى مسئولون أنها ستؤتى ثمارا فى قضايا تمتد من ليبيا إلى إيران.

 

وتعتبر ليبيا مثالا جيدا لتوضيح هذا التعديل (ومساوئه). وكان أوباما قد قرر أن التحرك العسكرى ضرورى لمنع وقوع مجزرة فى بنغازى  غير أنه عارض قيام الولايات المتحدة بتحرك منفرد. ومن ثم، فقد استغل البيت الأبيض وجود فرصة لـ«إعادة توازن المشاركة فى الأعباء»، وهو ما يعنى أن يتولى الأوروبيون والعرب، القريبون من المشكلة، القيام بمعظم العمل.

 

وتمثلت خطورة تراجع الولايات المتحدة عن الصفوف الأمامية أن الحملة على ليبيا كادت تتعثر فى أواخر يونيو مع غياب قيادة أمريكية حاسمة: فقد شهدت المعركة جمودا، ونضبت موارد الناتو العسكرية، وتقلب الرأى العام. غير أن أوباما وحلفاءه فى الناتو أثبتوا أنهم أكثر ثباتا وصبرا من العديد من المعلقين؛ وأخيرا أدى الهجوم فى أغسطس إلى استيلاء المتمردين على طرابلس. ومن العوامل التى كان لها أهمية فى ليبيا، أن الولايات المتحدة ضاعفت فى أغسطس عدد الطائرات بدون طيار، العاملة هناك، مما زاد من الرقابة المستمرة وقوة النيران فى طرابلس.بالإضافة إلى قيام قوات خاصة من بريطانيا وفرنسا وقطر والإمارات، بتدريب المتمردين ومراقبتهم. وهناك عامل ثالث، يتمثل فى أن قيادة المتمردين كانت فى البداية عبارة عن خليط مشوش عندما تم إنشاء المجلس الوطنى الانتقالى، وازدادت قوة وثقة مع تطور الحرب. وكما يقول أحد كبار المسئولين فى الإدارة «لقد أثبتت الشهور الستة أنها مفيدة». وتعتبر ليبيا مثالا على إدارة وصلت إلى الحكم معتقدة أن على الحلفاء أن يقوموا بقدر أكبر من مهام القتال، ودفع المزيد من التكاليف. ويقول مسئولون إن «أندرز فوغ راسموسن» السياسى الدنماركى، وهو حاليا سكرتير عام حلف الناتو، أحد الأبطال المجهولين وراء ذلك.

 

كما تعتبر سوريا مثالا آخر على «إعادة توازن» السياسة الخارجية، وعيوبها. ويأمل بعض المسئولين الأمريكيين فى حل على الطراز المصرى، مع قيام عناصر من الجيش السورى (قد يدعمهم الجيش التركى المجاور والقوى) بتنفيذ انقلاب ضد الرئيس بشار الأسد، يسمح بانتخابات ديمقراطية وتشكيل حكومة جديدة بشكل تدريجى.

 

الدور الأمريكى الهادئ والثانوى على الرغم من كونه واقعى يبدو غريبا بالنسبة لعالم تعود على أمريكا تتصدر المشهد. ولا شك أنه لا يكسب أمريكا مزيدا من الشعبية بين العرب. وقد أظهر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة الزغبى الدولية أن التقييمات «المواتية» لأمريكا صارت أقل مما كانت عليه فى نهاية عهد بوش. ومن الواضح أنه يلزم مرور بعض الوقت حتى يتقبل الناس فكرة أن القيادة الأمريكية الهادئة مازالت تعبر قيادة.

التعليقات