اكتئاب ما بعد الولادة - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اكتئاب ما بعد الولادة

نشر فى : الأحد 7 نوفمبر 2010 - 10:33 ص | آخر تحديث : الأحد 7 نوفمبر 2010 - 10:33 ص

 بينما أفكر فى موضوع مقالة هذا الأسبوع أتت مكالمتها لتحسم اختيارى، تشكو من عدم قدرتها على تحمل العيش فى ظل وجود طفل رضيع له عشرات الاحتياجات التى لا يمكن تأجيلها وكيف أنها تحتاج هى الأخرى لعشرات الاحتياجات التى لا يمكن تأجيلها وليس لديها الوقت لتنفيذها. صديقة أخرى تشعر بالذنب الشديد إزاء رغبتها فى فعل شىء لنفسها، وتقنعنى بأنها تشعر بالاكتفاء عندما تصنع أشياء لابنتها الرضيعة.

فى الحقيقة كثير من السيدات يشعرن بالاكتئاب بعد الولادة، وخاصة عندما لا تجد المرأة مساعدة من أحد، وتظل وحدها لتتحمل مسئولية الصغير بالإضافة لأعباء المنزل الأخرى. ويزداد الحمل عليها عندما تكون من الشخصيات التى تمارس طقوسا خاصة لتشعر بالتوافق، سمعت امرأة تقول أكثر ما افتقدته بعد الولادة هو كوب الشاى بالنعناع فى الصباح الباكر، والذى لم تعد تنعم به لأنها تستقبل الصباح بصياح طفلها وتحضير الرضعات وتنظيف ملابسه.

افتقاد المرأة لهذه الطقوس يجعلها تشعر بالذنب الشديد وأنها ربما لا تصلح كأم، وتزداد اكتئابا لأنها ما استطاعت أن تحقق رغباتها الصغيرة ولا حتى استطاعت أن تكون أما كفؤا لا تخطر فى بالها هذه التفاهات.

ليست هذه الأسباب هى فقط ما تدفع المرأة الى الاكتئاب بعد الإنجاب، هى تشعر بأنها تنسحب من العالم ويتمحور عالمها حول هذا الصغير، فى بعض الأوقات يبدو الأمر سهلا عندما لا تكون المرأة لديها عالم يخصها، بل هى ظلت تنتظر وتحضر نفسها لهذا العالم الصغير الذى ستتمركز حوله، لكن فى حالة السيدات اللاتى لديهن عالمهن الخاص قد يشكل قدوم طفل تهديدا لهن، وبالتالى تصبحن الأكثر عرضة للاكتئاب.

وتزداد احتمالية الاكتئاب كلما قلت القدرة على التوافق، أعرف صديقة مبدعة وكاتبة ومترجمة ونشيطة الى أقصى درجة يمكنك تخيلها، بالطبع مرت باكتئاب الحمل والولادة لكنها بعد الولادة لم تستسلم لمشاعر الاكتئاب وسرعان ما حاولت بل جاهدت من أجل توفير وقت خاص لها، ولو ساعات قليلة جدا للقراءة واحتساء كوب شاى وممارسة بعض ما تيسر من طقوسها القديمة، كانت تقول إن هذه اللحظات التى تقضيها مع نفسها بدون الطفل وهو نائم هى ما تمكنها من التنفس لأيام وساعات مقبلة.
الأمر يحتاج إلى مجهود وعدم التقليل من شأن تلك الطقوس وعدم الإحساس بالذنب تجاهها، من حقى كإنسانة أن أمارس طقوسى التى تجعلنى سعيدة وتمكننى من مواصلة القدرة على العطاء.

هذه الصديقة، التى اضطرتها الظروف إلى قضاء وقت أطول فى المنزل لرعاية الطفل، حولت نشاطها إلى الترجمة من المنزل، وأراها يوميا وهى تجاهد من أجل قضاء ساعات فى الترجمة فى اللحظات التى يكون فيها الطفل نائما أو تطلب مساعدة من الأهل لرعاية الطفل.

وأرى أيضا أنها لم تقصر فى حق الطفل نهائيا، فهى طوال الوقت تحكى له قصصا وتتابع نموه وأكله ونظافته الشخصية.

هى باختصار مبهرة لى ودائما ما أضرب بها المثل عندما تشتكى إحدى الأمهات من أطفالها وعدم قدرتهن على التواصل مع الحياة. الأمر ليس سهلا، أنا أعرف، ودوما هذه الصديقة تقدر ذلك وتحكى عن الصعوبات التى واجهتها لكى تتمكن من عمل ما تحبه، لكننا نستحق أن نفعل ذلك من أجل أنفسنا.

لا تستهلكى طاقتك وتأخذى منها من أجل منح طفلك لحظات سعادة، كلما استهلكت طاقتك، ابحثى عن منافذ أخرى لتستمدى منها طاقة لك.

من فترة قصيرة كنت أكتب على مدونتى على الإنترنت عن سعادتى بامتلاك عصافير وحديقة صغيرة أعتنى بها فى بلكونة شقتى، وكتبت لى أم لديها طفل صغير عن اشتياقها لفعل ذلك، وعدم قدرتها على فعله من أجل الاعتناء بالطفل.
فى الحقيقة لم أفهم لماذا لا تستطيع فعل ذلك هى الأخرى، بإمكانها شراء عصافير وزرعة صغيرة ترويها لتسعد بها وتحتسى كوبا من الشاى، مادامت هذه الأشياء ستسعدها.

أؤكد على حقيقة أن امتلاكك بعضا من الوقت لك وتوفيره بالكاد لن يؤذى طفلك نهائيا، ولا تشعرى بأى ذنب تجاه ما تفعلين.. هذه اللحظات الخاصة بك ستمنحك طاقة هائلة لفعل المزيد لطفلك بسعادة ورضا.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات