بغض النظر عن القبلة السميكة أو السمجة التى طبعها شيمون بيريز بغلاظة على خد هيلارى كلينتون أثناء زيارتها لإسرائيل.. فلا شىء يدل على أن هذه الزيارة الافتتاحية لوزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط، قد حملت معها جديدا يحدد طبيعة السياسة التى ستنتهجها إدارة أوباما إزاء الأوضاع المعقدة فى المنطقة.. فما زالت الخطوط الرئيسية لإدارة بوش قائمة دون تغيير.. الجديد فيها هو تأكيدات هيلارى على أن أمريكا مازالت متمسكة بحل الدولتين.. وعدم التعامل مع حماس!!
لم تلمّح هيلارى من قريب أو بعيد إلى ضرورة وقف الاستيطان، ولم تنطق بكلمة عن مأساة غزة وضرورة فتح المعابر وإكمال عملية التهدئة التى سعت إليها مصر، ولكنها أبدت تفهما لقلق إسرائيل من الصواريخ الفلسطينية ولمخاوفها من حيازة إيران للسلاح النووى.
ومع ذلك فقد تركت الباب مفتوحا لكى تستكشف الموقف مع سوريا والحوار مع إيران.. وفى كلا الحالين فإن الهدف هو إمكانية إقامة علاقات تسمح بإبعاد سوريا عن المحور الإيرانى، خصوصا أن سوريا بدت على استعداد لإعادة علاقاتها مع واشنطن، وتقوم الخطة الأمريكية على أن ذلك سوف يشجع دول الاعتدال العربية والجناح الفلسطينى المعتدل على التفاوض مع إسرائيل.. مع أن هذا الجناح لم يعترض أبدا.
ومن هنا وضعت إسرائيل خطوطا حمراء على التفاوض مع طهران، وحصلت على وعد بأن تتشاور أمريكا معها فى صياغة سياستها إزاء الملف النووى الإيرانى، وأمنت على مزاعم ليفنى بأن الدول العربية المعتدلة لا تثق فى إيران أكثر من ثقتها بإسرائيل.
بعض الدول العربية اغتبطت واكتفت بالتنويه على أن أول زيارة لكلينتون بدأت بمؤتمر إعمار غزة فى شرم الشيخ.. سواء كان لذلك قيمة أو لم يكن.. ولكنها لم تطلب أكثر من ذلك ولم تقدم رؤية متكاملة لما ينتظر أن يتطور إليه الموقف فى ظل حكومة يمينية يرأسها نتنياهو، الذى لا يرى مجالا لسلام حقيقى إلا عن طريق «السلام الاقتصادى» أيا كان المعنى الذى يقصده، والذى لن يخرج عن مفهوم للسلام تستغل فيه إسرائيل ثروات المنطقة!
قد يكون من السابق لأوانه التنبؤ بطبيعة الترتيبات التى تجرى صياغتها فى واشنطن للمنطقة. غير أن البوادر التى ظهرت أخيرا لتحويل المصالحة العربية لنفس الاتجاه القائم على مناهضة إيران والعناصر الراديكالية التى تؤيدها، سوف تصب فى النهاية فى خدمة إسرائيل ومخططاتها التى أوقعت العرب فى مصيدة الانقسام الذى أفضى لكارثة غزة.
جاءت هيلارى إلى المنطقة والقضية الحاضرة الغائبة فى ملفاتها هى البحث عن مفتاح للحوار مع إيران، ولم تجد إلا تحذيرات إسرائيلية ومخاوف عربية. أما القضية الأساسية وهى النزاع العربى ــ الإسرائيلى فليس فيها جديد.. بانتظار تشكيل الحكومة الإسرائيلية!
البعض يرى أن هذه الزيارة جاءت بمثابة تثبيت وتعضيد للخط الذى انتهجته السياسة المصرية إزاء غزة وإزاء جهود التهدئة والمصالحة. ولكن ماذا سيكون موقف إدارة أوباما إذا تولى وزارة الخارجية الإسرائيلية إرهابى مثل ليبرمان يرفض من الأساس مبدأ الدولتين؟.
بل ماذا سيكون موقف مصر من التعامل مع شخص أهان رأس الدولة المصرية، وهدد بضرب السد العالى، ووصف الفلسطينيين بأنهم حشرات؟
إنها مشكلة مصر وليست مشكلة أمريكا!