هل نعيش نقطة تحول على طريق التدهور؟ - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نعيش نقطة تحول على طريق التدهور؟

نشر فى : الإثنين 8 مارس 2010 - 10:21 ص | آخر تحديث : الإثنين 8 مارس 2010 - 10:21 ص

 فى أحد أيام الأسبوع الماضى، حينما كان الرئيس أوباما يعقد قمته حول الرعاية الصحية ــ ويكافح من أجل إنجاح النظام الذى يعانى الإفلاس ــ كانت هناك مناسبة هادئة فى الكونجرس، حيث كان يتم الاحتفال باللحظة التى اندمجت فيها الإرادة السياسية مع المثالية السياسية ليسفرا عن تحرير ملايين من البشر.

كان تجمع الكونجرس إحياء لذكرى الخطاب الذى ألقاه الرئيس التشيكى فاتسلاف هافيل أمام الجلسة المشتركة للكونجرس منذ عشرين عاما مضت، وأعلن فيه تحرر بلاده الجديد من الاتحاد السوفيتى، وهو ما يخص كذلك الدول الأخرى فى أوروبا الشرقية التى كانت أسيرة لديه فيما مضى.

وألقى هافيل خطابا ذكيا، وربما يرجع ذكاؤه أكثر من أى شىء آخر، إلى تأكيده على أن المصير السياسى لا يتحتم بواسطة القوى المادية، كما زعمت الماركسية السوفيتية، ولكنه ينتج عن البشر والأفكار. وأتت فى منتصف خطابه هذه الرسالة: «يكمن خلاص عالم البشر فى قلب الإنسان، ومقدرة البشر على التفكير، والتواضع الإنسانى، والمسئولية الإنسانية وليس فى أى مكان آخر».

فى غرفة مكتبى أضع قطعة لا بأس بها من جدار برلين، ليذكرنى دائما بأن الحياة السياسية ليست ثابتة. فى عالمنا، يعتمد بشدة صعود الإمبراطوريات ــ الخيرة والشريرة ــ وسقوطها أيضا على ما إذا كانت لدى الأنظمة السياسية القوة والمرونة اللازمة لحل المشكلات التى تواجهها.

وفى الأسبوع قبل الماضى، كان التفاؤل بشأن صحة السياسة الأمريكية أمرا صعبا. فالنظام غير ناجح قياسا على الاختبار البسيط المتعلق بمدى قدرته على حل المشكلات. ويعد كفاح أوباما من أجل إقرار قانون الرعاية الصحية أبرز الأمثلة الحالية على هذا المأزق الذى تعيشه السياسة الأمريكية. ولكن الخلل الوظيفى نفسه كان واضحا عندما حاولت إدارة جورج دبليو بوش تمرير استجابة مستنيرة منصفة بشأن الهجرة غير الشرعية. ويبدو أن جهود إصلاح النظام تتلاشى فى دوامة التحزب والفساد المتعلق بالمصالح الخاصة.

وقال هافيل فى خطابه «لقد تم تعجيل سير التاريخ» ويظل هذا صحيحا بالتأكيد، لكنه لا يعنى بالضرورة أن التحرك يسير إلى الأمام. فمن الممكن أن يكون هناك تسريع عكسى فى السياسة أيضا.

كانت فكرة الانحطاط المتسارع هذه موضوعا لمقالة قوية بقلم مؤرخ جامعة هارفارد العريقة نيل فيرجسون فى العدد الأخير من دورية «فورين أفيرز». وتدور فكرته حول أن الإمبراطوريات السياسية عبارة عن أنظمة معقدة قادرة على التكيف، ويمكن لتغيرات صغيرة فيها إحداث اختلافات كبيرة فى النتائج على نحو غير متناسب. وقال إننا نفكر فى تدهور روما وسقوطها، باعتبار أنه كان يحدث على مدى فترة طويلة، كأنه سوس ينخر فى النظام ويؤدى إلى التحلل.

ولكن فيرجسون قال إنه فى الواقع يمكن أن تحدث عملية التدهور فجأة وبشكل مزلزل. وقال إن الانهيار النهائى للإمبراطورية الرومانية «حدث فى غضون جيل واحد». واستغرق تفكك سلالة مينج «ما يزيد قليلا على عقد من الزمن». وأتت نهاية الاتحاد السوفيتى فى أقل من خمس سنوات بعد تولى ميخائيل جورباتشوف السلطة واعدا بإصلاح النظام.

وقصد تعليق فيرجسون التاريخى بالطبع أن يمثل درسا نموذجيا للولايات المتحدة. مثلما ينذر العنوان الرئيسى لمقالته بالشر المستطير، «عندما تختفى الإمبراطورية الأمريكية، من المرجح أن تختفى بسرعة».

ويصل إلى سمعى تعبير الناس عن قلقهم من إفلاس نظامنا السياسى بصورة متزايدة. إذ قال السيناتور إيفان بيه ذلك عندما أعلن أنه لن يترشح فى انتخابات الإعادة. وهذا ما قاله السيناتور جون ماكين كثيرا أثناء معركته الطويلة بشأن حملة الإصلاح المالى. وهو ما يقوله الرئيس أوباما، بطريقة أو أخرى، كل أسبوع تقريبا. ويعتبر هذا هو الشىء الوحيد الذى يتفق عليه الديمقراطيون والجمهوريون.

وعلى الرغم من هذا، فهذه هى المشكلة التى لا يقدر أى شخص على حلها: كان لدينا موجات من عودة المحافظين والليبراليين طوال العقود الثلاثة الماضية. ولكنى أزعم أن الاتجاه الثابت وسط هذه الدورات يتمثل فى الخلل الوظيفى السياسى المتنامى، بصرف النظر عمن يدير الكونجرس أو البيت الأبيض.

وكما يحب الخبير المالى وارين بافيت أن يقول، «فإن الرهان ضد أمريكا يكون خاطئا فى العادة، ويرجع هذا إلى اقتصادنا المرن ونظامنا السياسى القادر على التكيف. وقد بدا النظام الأمريكى مأزوما فى السنوات التى سبقت الحرب الأهلية، وظهر هكذا مرة ثانية أثناء رئاسة هربرت هوفر، ومرة أخرى أثناء رئاسة جيمى كارتر.. ولكنه نجا من هذه الأزمات، ومضى فى تحقيق الازدهار كما لم يحدث من قبل».

ووصف هافيل موهبة أمريكا الخاصة على هذا النحو: «لديكم آلاف المشكلات من كل الأنواع، مثلما يحدث فى كل البلدان الأخرى. ولكن لديكم ميزة هائلة: لقد اتبعتم النهج الديمقراطى دون انقطاع لمدة تزيد على الـ200 عام».

ولكن النظام وحده لا يكفل النجاح. فالدول الجيدة قد تتدهور أيضا، عندما تفقد قدرتها على الاستجابة للمشكلات.

جرب أوباما نهجا جديدا للتغلب على المأزق يوم الثلاثاء الماضى، وذلك بجمع كلا الحزبين حول مائدة كبيرة واحدة. وهو بمثابة رئيس وزراء جيد، ولكن حزب القصور الذاتى قوى أيضا.

(c) 2010, Washington Post Writers Group

التعليقات