لنترك منصة الندوات ونجلس معًا - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لنترك منصة الندوات ونجلس معًا

نشر فى : الخميس 9 أبريل 2009 - 2:52 م | آخر تحديث : الخميس 9 أبريل 2009 - 2:52 م

يتذكر البعض منا تلك الندوات التى كانت تقام فى مدارسنا تحت عنوان «وقاية النشء من المخدرات». بشكل خاص أتذكر ذلك الجو المرح الذى كنا نصنعه فى تلك الندوات التى تعفينا من حضور الحصص المدرسية المملة، فنضيع وقت الندوة ما بين إلقاء النكات والتعليق على المحاضر، أو تبادل الأحاديث الجانبية.

كل هذا تذكرته الأسبوع الماضى، عندما قمنا كمجموعة من المتخصصين بإلقاء ندوة تحت نفس العنوان، وكان رد فعل الطلبة هو نفسه ما كنا نفعله سابقا. لفت نظرى مدى اهتمام الجهة الداعية بتسجيل أسماء الطلبة لإثبات حضور عدد كبير منهم، لكن لم أر الاهتمام إلا فى أعين مجموعة منهم يمكننى عدها على أصابع اليد الواحدة، فتساءلت: هل استفاد هؤلاء الطلبة فعلا من الندوة؟

نتائج الدراسات المهتمة بمجالات وقاية النشء تقول إن هذا النوع من التوعية من أضعف أنواع الوقاية ولا يؤدى إلى نتائج فعالة. الخطاب الموجه للمراهق المعتمد على العبارة المكررة «لا للمخدرات»، يستفز عقله وقد يدفعه إلى العناد والتجريب. قد نقول له لا تقترب من أصدقاء السوء، ولكننا نتجاهل المتعة والأمان اللذين يشعر بهما فى ظل مجموعة تعتبره عضوا فيها. ندعوه للانضباط ولا نقدم له أى بدائل، ولا نعلمه كيف يتعامل مع غرائزه واحتياجاته.

بسبب ذلك ترفض الكثير من الجهات التمويلية مساعدة المؤسسات فى تمويل مثل هذه الندوات، وتحاول البحث عن بدائل فعالة. فتدريب الأفراد الذين سيتعاملون مباشرة مع المراهقين ضمن برنامج محدد أصبح يحظى الآن بالكثير من الاهتمام. وتصدرت مهارات الحياة أولى الموضوعات التى يجب أن تقدم للمراهقين، وتعلمه كيف يعبر عن مشاعره، وكيف يواجه ضعفه، وكيف يتعامل مع مشاعر الحرمان والغضب مثلا.

تغيير البيئة التى يتعامل معها المراهق أمر مستحيل، لكن أن تجعل هذا الشخص أكثر قدرة على مواجهة الضغوط أمر فى غاية الأهمية، وهو ما يحظى بالعديد من الدراسات تحت مسمى «التماسك الداخلى» ويعنى تنمية قدرة الطفل أو المراهق على مواجهة الضغوط.

من المهارات المهمة التى يجب أن يتعلمها المراهق هى التعبير عن المشاعر فى مجموعات المساندة، فمجرد التعبير عن المشاعر يحدث نوع من أنواع التفريغ الانفعالى القادر على تهدئة الفرد وفهمه لنفسه.

من التجارب العملية التى شاهدتها، تغيير فصل دراسى بأكمله فى مدرسة بالمنيا، كان يعانى مجموعة كبيرة من المشكلات الدراسية والسلوكية، على يد مدرسة تلقت تدريبا اعتمد على فلسفة التماسك الداخلى. لم تقف إمكانات المدرسة الضئيلة أمامها، أقامت مجموعات مساندة للطلبة ودربتهم فيها على التعبير عن مشاعرهم وكانت المفاجأة هى ذلك التغيير الذى حدث لهؤلاء الطلبة، حيث ارتفع مستواهم الدراسى وخفتت حدة مشكلاتهم السلوكية لمجرد أنهم استطاعوا التعبير عن مشاعرهم وتعلموا أشياء حقيقية.

قد يبدو كلامى هجوما على أسلوب الندوات، لكنى لم أقصد ذلك على وجه الدقة. فقط هى ليست فعالة بالشكل الذى يجعلنا ننفق عليها كثيرا فهى محدودة التأثير بشكل كبير. وعلى الرغم مما سيردده البعض من أن الأمر متوقف على مدى الحضور الذى يتمتع به المحاضر فى هذه الندوات وتأثيره، لكن هذا التأثير يكاد يكون مؤقتا ينتهى بانتهاء الندوة.

لم أسمع عن أفراد تغيروا لمجرد أنهم سمعوا عن مخاطر شىء، فحملة مكافحة التدخين الحالية وتلك الصور المرعبة على علب السجائر لم تغير من سلوك الراشدين الكبار المفترض فيهم معرفتهم الكاملة لأضرار التدخين، بل إنهم قد تعايشوا مع هذه الصورة بتجاهلها أو بوضع علبة السجائر فى علبة معدنية تخفيها.

تغيير سلوكيات المراهقين وحمايتهم من السلوكيات الخطرة لا يمكن تنفيذه بحملات التوعية من منصات الندوات بل بوضع برامج حقيقية تتعامل بشكل مباشر مع الأفراد وتتفاعل معهم.  

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات