أنتِ مش مذنبة - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنتِ مش مذنبة

نشر فى : الأربعاء 9 مايو 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 مايو 2012 - 9:05 ص

وأنا أتابع حملة التحرش الجنسى التى تدور الآن على الانترنت، تذكرت كل الحالات التى جلست معها بعد تعرضها لتحرش جنسى أفقدها جزءا من كرامتها وأضاف عبئا نفسيا لا تحتمله. من أكثر الحالات التى أتذكرها فتاة مراهقة فى الصف الثانوى ومريضة بالقلب. عند ذهابها للطبيب وأثناء الكشف عليها وبعد أن تركتها أمها فى غرفة الكشف وحدها، تحرش الطبيب بها وحاول تقبيلها، شعرت البنت بالخوف الشديد جدا ولم تذكر الحادثة للأم خوفا من العقاب واللوم، ورفضت الذهاب للمتابعة مرة أخرى رغم سوء حالتها الصحية، وعممت هذه الفكرة على كل الأطباء ولم توافق على الذهاب لأى طبيب وانتابها شعور رهيب بالذنب وكان لديها تساؤل لم يجبها عنه أحد: «لماذا أنا بالذات؟»، وكانت إجابتها البسيطة والمنطقية من وجهة نظرها: «قد يكون بدر منى أى سلوك شجعه»، وظلت البنت تعانى الاكتئاب والإحساس بالذنب لسلوكها الوهمى الذى دفعه لاختيارها والعبث معها.

 

موضوع التحرش الجنسى مربك ومثير للإحباطات، ويختلف تأثيره باختلاف عدد من المتغيرات وهى مستوى التحرش والقائم بالتحرش وتكراره وردود الفعل عليه.

 

أكثر ما يغيظنى هو ردود أفعال المواطنين بالشارع على البنت التى تحاول أن تكسر دائرة الصمت وتعلن أنها تعرضت لتحرش وتحاسب الجانى، لن تجد فى الشارع نصيرا لها، بل ستجد العشرات من النظرات الناقدة المصوبة لها والباحثة عن سبب دفع الرجل للتحرش بها.

 

أتذكر ما حكته لى صديقة تعرضت ابنتها المراهقة وهى معها لحادثة تحرش وإصرارها على ضرب الرجل وتسليمه للشرطة وسط ذهول الجميع وكلمات «معلش» التى سمعتها من كل المحيطين بها، لكنها أصرت على تسليمه للشرطة، وتخاذل الجميع عن مساعدتها وأظن أن بداخلهم تساؤلات كثيرة وشكوكا حول فتاة غير محجبة وأمها غير المحجبة أيضا التى ضربت الرجل وأصرت على تسليمه للشرطة.

 

أظن أننا بحاجة كباحثين نفسيين لدراسة سلوك المساعدة فى هذا التوقيت الحرج الذى نمر به، إذ أصبحنا نرى الجميع واقفين عاجزين عن إصدار أى سلوكيات تحمى البنت التى تتعرض للتحرش أو حادثة سرقة أو أى موقف يتطلب التدخل والمساعدة.

 

فى رسالتى للماجستير حول المفارقة القيمية، من بين القيم التى كنت أقوم بدراستها هى قيم مساعدة الغير ووجدت أن هناك مفارقة بين ما يبديه الفرد بالقول عن اهتمامه بأهمية قيمة مساعدة الغير وبين ما يقوم به من أفعال لا تتسم بمساعدة الغير بالمرة.

 

فأنا أرى فى موضوع التحرش بالذات الكثير من الأفكار المعوقة السلبية لدى أفراد المجتمع والتى يؤمنون بها كحجة لعدم قيامهم بالمساعدة، فعندما ترى امرأة تدافع عن حقها بصوت مرتفع تنطلق إحدى هذه الأفكار التى تقول: «امرأة غير محترمة.. هى التى شجعته»، «المرأة المحترمة لا تطلق صوتها فى الشارع»، «لبسها مش محترم»... كل هذه الأفكار تساعد الأشخاص على تبنى حجج أمام أنفسهم تمنعهم من مساعدة امرأة غير محترمة فى نظرهم.

 

من العوامل الأخرى المؤثرة فى التحرش نوع العلاقة بالمتحرش. رأيت حالات كثيرة كان القائم بالتحرش من ذوى القرابة الأولى ومتواجد مع الضحية باستمرار، مما يؤثر بالسلب عليها ويؤثر على صحتها النفسية ويصيبها بالكثير من الاضطرابات.

 

التحرش يصيب العديد من الفتيات بتشوه فى صورتهم عن أجسامهم، سواء كان هذا التحرش لفظيا أو بدنيا، ففى محاضرة ألقيتها منذ أسابيع فى إحدى المدارس الثانوية عن العلاقة بالجسم لدى المراهقات، تحدثت بعض البنات عن كرهها لشكل جسدها الذى بسببه تتعرض للكثير من الاهانات والسخرية، وأنها تريد أن تخفيه نهائيا ولا تشعر به ولا تريد عقد أى علاقة معه، فعلى حد قول إحدى البنات هو «اللى جايبلى الأذى».

 

البنات أيضا بحاجة لتصحيح أفكارهن حول أجسادهن والتأكيد على أنها ما كانت السبب أبدا فى تعرضهن للتحرش، وإنما السبب فى ذلك أفكار مغلوطة فى ذهن المتحرش وانحراف لديه، وأن عليها مواجهة مجتمع ارتاح لمفارقته وظل يطنطن بقيم الشرف والمساعدة ويتصرف عكسها تماما ويجد لنفسه المئات من المبررات يوميا للاستمرار فى السلوك التخاذلى.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات