تعليم الفساد للأطفال - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعليم الفساد للأطفال

نشر فى : الأربعاء 9 يونيو 2010 - 11:09 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 يونيو 2010 - 11:09 ص
بينما أنا أجلس وأستمتع بالهدوء الصباحى فى إحدى الكافتيريات بالمنتزه فى الأسكندرية، وجدت مجموعة من الأطفال يلعبون الكرة، واندفع النادل لتنبيههم بأن المكان غير مسموح فيه لعب الكرة، كان الرجل يتحدث بأدب جم.

ابتعدت مجموعة من الأطفال، بينما تقدم أحدهم وهو أكبرهم سنا، وأخذ يتوعد الرجل ويصر على لعب الكرة، فى البدء استغربت الطفل جدا، وبينما أنا مستغرقة فى تأملاتى حول سلوكه، وجدت شخصا يظهر فى المشهد يلعب دور الأب، بدا من مظهره أنه مناسب جدا لأن يكون أبا لذلك الطفل المشاكس، وبمجرد ظهوره اعتذر النادل بشدة لأنه لم يكن يعرف أن الطفل المشاكس ابن الرجل، واعتذر للطفل وجعله يلعب بالكرة مخترقا قواعد المكان، دخل الولد مع أصحابه وشعور الانتصار يظلله.

منعت نفسى من التدخل، كدت أعطى الأب درسا فى التربية، كنت أريد إفهامه أنه اليوم كان يعلم ابنه إحدى قواعد الفساد، وعدم الالتزام بمعايير وقواعد الجماعة.

كنت أحكى هذا المشهد لإحدى الصديقات التى تعمل مدرسة وحكت لى أن الأمر أصبح عاديا فى كثير من الأسر، ففى المدرسة تفاجأ بأن الوالد أتى مع الطفل لإعفائه من الواجبات المدرسية وأن الطفل لا يلتزم بأى من القواعد المفروضة عليه مع زملائه لأن لديه «كارتا» يتيح له التصرف كما يريد. وحكت لى عن أب يعمل مسئولا كبيرا يتبرع للمدرسة بمبالغ طائلة، وطلب أن يكافأ ابنه كباقى الطلبة فى الفصل رغم أنه دائما ما يفعل أشياء تستحق العقاب.

كل هذه الأشياء تدفعنى إلى الشعور بأن هؤلاء الأطفال سيخرجون فى صورة مدمنين وربما سيصابون بالاكتئاب، فإن تكتشف أن كل ما تحلم به مجاب وأنك لست مضطرا للحلم من أساسه شىء مثير للسخف.

المشكلة أن هؤلاء الآباء مقتنعون بأنهم يربون أبناءهم بطريقة واقعية، يندفعون من فكرة أن المجتمع يسير بهذه الطريقة، وأن عليهم كآباء أن يمنحوا أبناءهم كروتا تيسر لهم الحياة، حتى لا يمرون فى حياتهم بما مروا هم به يوما.

فى إحدى جلساتى النفسية مع مراهق من هذا القطاع من المجتمع يعانى من اكتئاب شديد، أكثر ما كان يؤرقه ويؤرق أهله أنه لا يملك أهدافا فى الحياة، لا يحلم بأى شىء سوى الجلوس على الإنترنت ومع أصحابه فقط.

نحتاج لأن نؤكد معايير وقواعد المجتمع لنعلمها لأبنائنا، ومن المهم أيضا أن نراجع سويا هذه المعايير لنكتشف مدى صدقها أو زيفها، نتناقش سويا فى ما نمارسه يوميا من سلوكيات.

فمثلا فى كتب الدين المدرسية يتعلمون الإحسان إلى الفقير، فمعظم الأطفال يندفعون لإعطاء المتسولين فى الشارع جزءا من مصروفهم الشخصى، من المهم جدا أن نشجع الطفل على هذا السلوك، لكن من المهم جدا أيضا أن نناقشه فى مسألة: هل هؤلاء الأشخاص يستحقون الأموال، وكيف نحسن على الفقير وكيف نجد الشخص المناسب وكيف نساعده؟ كل هذه المناقشات ستدفعه إلى التفكير ومراجعة قيمه وما يتعلمه من حقائق.

لست ضد أن يتعلم الطفل الواقع وكيف تسير الأمور فى هذا الواقع، لكن يجب ألا يفهم أن الفساد هو القاعدة الأساسية وأنه الكارت الوحيد الذى سيمكنه من تنفيذ الأشياء. الأمر ليس بهذا السوء فى المجتمع، مازال هناك أناس يجب أن نفخر بهم، يجب أن ترى طفلك هذا الواقع أيضا، يجب أن تصل إليه رسالة أنه رغم الفساد هناك أشخاص شرفاء.

فى السابق ونحن صغار كان لدينا فى مخيلتنا مجتمع مثالى نسعى إلى تحقيقه، هذا المجتمع مختفى من مخيلة الصغار الآن، هم يفهمون جيدا آليات الفساد التى تمكنهم من التعامل مع الواقع الفاسد من خلال فساد مصغر.

تؤكد الأم على الطفل ألا يترك إجابة فارغة فى كراسة الإجابة فى الامتحان وأن يسأل صديقه وترشى المدرسة فى اللجنة، تؤكد عليه أن يخرج معهم ويترك الواجب لأنها ستذهب معه إلى المدرسة فى الغد وتؤكد على المدرسة عدم عقابه.

أيها الآباء أنتم اليوم تزرعون بذور المرض النفسى فى أطفالكم وأنتم واهمون أنكم تزرعون بذور الواقع.. ليس هذا الواقع إلا مرض سيظهر بعد سنوات قليلة.
رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات