رياح التغيير التى اجتاحت مدن العراق أخيرا، مخطئ من يدعى بأنها مجرد تقليد أو أزمة فحسب، ومخطئ من ينسبها لجهة سياسية أو مؤسسة دينية بل هى جاءت نتيجة تراكم سنين من الحكم الاستبدادى. منذ الديمقراطية المشئومة التى يدعون بها والكل يقاسى العذاب وكأنها لعنة لحقت بنا من غابر الزمان.
حتى الديمقراطية التى روجوا لها كثيرا تعثرت فى العراق وأصبح الوطن فى متاهة البحث عن هوية. عقد من الزمن وأجيالنا بدأت تتربى على ممارسات أكثر ما تكون للقتل والتفجير والتهجير والطائفية.
ظُلمنا جميعا ووقعنا بين مطرقة الظلم الداخلى وسندان التدخل الخارجى! واللاعب الأساس إيران الخبيث.. وقائمة ما خسرناه طويلة وطويلة جدا.
يا ترى من الذى خنق الوطن، وذبح الضمير ودمر الأخوة ورسم للعالم صورة بشعة عن أخلاقنا. ساسة تتغنى بالرجولة والشهامة ونصرة الحق ولكنها تمد يد الغدر وتصنع الخيانة فى وضح النهار، وجماعة تتغنى بالقانون والمدنية وتخفى تحت ضلوعها «قلب أسود»، وجماعة تتحدث باسم الأمة والدين، والدين منهم براء وتخفى وراء كل لحية وعمامة فكرا متخلفا، تزرع الشك فى نفوس من يسمع لها فى المساجد ويرى أعمالها المتناقضة فى الخارج.
من العجب أنك ترى أُمة تتنازع فيما بينها من أجل وطن مهدور دم أبنائه ينزف ويتهادى ويتآكل كل يوم، فعندما ترى كل هذا «فأعلم أنك أمام وطن ممزق»؛ فبعد حوارات تتمخض نزعة طائفية، يتحايلون على جغرافيا الوطن حتى عاقبوا الأرض بالتقسيم باسم الفيدرالية والأقاليم، شعب يتنفس البارود ويتلقى دعوات العزاء بدلا عن دعوات الابتهاج!
لم يعد للحظ مكان فى العراق، بل أصبح للموقف رؤية تتجلى فى فهم الشارع ونبضه للواقع المزرى، وصار للتراجع خطة واضحة وبركان ثائر عن مسح اللون البنفسجى من أصابع إبهام المتظاهرين الذين تراجعوا من إعطاء مسحة اليد لهؤلاء المتصدين للسلطة؛ فقرر الشعب أن ينتفض بكل ألوانه من أجل التغيير، والتغيير لا يحدث إلا بتكاتف أبنائه جميعا كل حسب موقعه وفهمه للموقف. وهنا ينبرى صوت الوطن ويعلن انبثاق ثورته مع الشعب ويواكب الجموع للتظاهر ضد واقع متخلف متسافل، ويعطى الاصرار والعزم والقوة والصلابة والثبات من أجل الموقف الحاسم لطرد المفسدين وكشف الماكرين، ويحذر من ركوب موجة التظاهر وانتسابها لجهات أُخرى. إنه المتظاهر والناشط الصرخى الحسنى الذى هتف فى بيان له اسماه (من الحكم الدينى (اللا دينى).. إلى.. الحكم المَدَنى)..
((لابد أن نُحذر المؤسسةَ الدينية ومن ورائها إيران بأن أى محاولةٍ للانتهازية واستغلال جهود وتضحيات المتظاهرين، وإرجاع الأمور إلى المربع الأول بتسليط نفس المؤسسة الدينية الكهنوتية وإفرازاتها الفاسدة المُفسِدة، نحذرهم بأننا سنغير توجهات وأولَوِيات التظاهر. فسنطالبُ أولا وقَبْل كلِ شىء بل سنؤسس حشدا مدنيا لتطهير المؤسسة الدينية من قُبْحِها الفاحش، وفسادِها المُستَشرى بأضعاف أضعاف قبحِ وفسادِ السياسيين ورجال السلطة، فنحذِرُهم من ركوبِ الموجِ ومحاولةِ الخداع والتغرير من جديد؛ فنقول لهم عليكم تطهير أنفسِكم ومؤسساتِكم قَبْل أن تنتهزوا وتَركَبوا مَوْجَ التغيير والإصلاح والقضاء على الفساد، فلأكثر من ثلاثة عشر عاما الأمور بأيديكم من سيئ إلى أسوأ والكوارث والمآسى فى ازدياد مطرِد)).
هيام الكنانى
نقلا عن صحيفة الحرية