رغم تعب الروح والجسد المثقل بالمشاهد الجسام فى عرس الدم الانتخابى الذى ذُُبحت فيه آمال الشعب المصرى، كان علىَّ أن أترك مقعد المشاهد محاولة لاستقراء «نظام كوتة المرأة» الذى أثار جدلا عنيفا وتضاربت الآراء حوله بين معارض ومؤيد ومتحفظ، فعندما عرضت المادة (3) من القانون 149 لسنة 2009 على مجلس الشعب والتى تخص نظام «الكوتة» اعترض عليها ستة وتسعون نائبا من الإخوان والتجمع والوفد والمستقلين، ووصف الرافضون القانون بأنه يشوبه عدم الدستورية وخاصة فى ظل تعارضه مع المادة «40» من الدستور المصرى والتى تنص على أن «المواطنين لدى القانون سواء لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة»، وشهدت جلسة المجلس فى 15 يونيو 2009 التى تمت فيها الموافقة على القانون أحداثا ساخنة ومشادات بين نواب الوطنى والمعارضة، كادت تصل إلى حد التشابك بالأيدى والرشق بالأحذية.
وأكد المعترضون أن الكوتة ستفتح الباب للدفع بعناصر مدجنة من النساء تفتقد الكفاءة والقدرة على الأداء النيابى، وان تمكين المرأة لا يكون بإقرار الكوتة وإنما بتطبيق الديمقراطية الحقيقية وتشجيع المشاركة السياسية للنساء كما للرجال، كما أن هذا القانون سيفتح المجال أمام كتل أخرى للمطالبة بكوتة مماثلة مثل الأقباط مما يدفع المجتمع إلى الدخول فى حالة من المحاصصة الفئوية التى ستدفع المجتمع المصرى إلى الصراعات الطائفية.
أما التخوف الحقيقى الذى أعلنه الكثيرون بصوت عال فهو أن الكوتة ستزيد فرص الحزب الحاكم فى إحكام سيطرته على الأغلبية الساحقة داخل البرلمان باحتوائه لمقاعد المرأة الأربعة والستين وتمرير سياسته وقوانينه وتمرير التوريث.
أما المتحفظون فقد رأوا أن هذه التعديلات ستدفع المجلس القومى والهيئات والجمعيات النسوية إلى الانخراط فى العمل السياسى بما يمكن المرأة من المشاركة فى البرلمان بنسب مقبولة، لكن ذلك لن يتحقق إلا بوضع ضمانات لنزاهة الانتخابات، وضمان عدم استحواذ تيار سياسى للمقاعد التى خصصت للمرأة، وأن تكون الكوتة لمدة محددة حتى لا تعتمد المرأة على هذا النظام وتفقد مصداقيتها أمام الشعب، بالإضافة إلى أن الكوتة ليست هى الأسلوب الأمثل لمواجهة عدم المشاركة السياسية، وأن أفضل الأساليب هو الانتخاب بالقائمة كبديل أكثر دستورية على أن توضع أسماء النساء فى مراكز متقدمة من القوائم حتى يضمن مكان لهم فى البرلمان، وهو الأسلوب الذى اعتمدته بعض الدول للقضاء على حالة الإقصاء التى تفرزها ثقافات معينة تجاه المرأة والأقليات العرقية والدينية.
لكن ماذا عن المؤيدين وعلى رأسهم الحكومة المصرية؟ حصيلة وجهة نظرهم تستند فى مجملها إلى أن المرأة فى ظل التشريعات القائمة لا تستطيع أن يكون لها وجود قوى فى البرلمان وأن الغرض من تخصيص كوتة المرأة مساعدتها وتمكينها من المشاركة النيابية، لأن هناك عوامل كثيرة تتحرك ضد أن يكون للمرأة وجود فعال، منها المرأة نفسها والأحزاب السياسية التى لا ترشح المرأة لضعف احتمالية نجاحها، فضلا عن أن الرأى العام لا يزال يسيطر عليه العقلية الذكورية.
وقد تباينت مواقف المنظمات النسائية من قانون «كوتة المرأة» من بين مؤيد باعتباره تمييزا إيجابيا للمرأة ومعارض باعتباره غير دستورى وسوف يؤدى إلى سيطرة نساء حزب واحد على البرلمان وهو الحزب الوطنى مما يفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، والبعض يقف موقفا وسطا بين المؤيدين والمعارضين ولعل منشأ ذلك أن «مفهوم الكوتة» ليس واضحا لأنه لم تتح له مناقشة واسعة معمقة.
وتأخذنا الدهشة فرغم الاعتراض من أحزاب المعارضة وكذلك الإخوان المسلمين إلا أن جميعهم مع اختلاف آرائهم وتنوع مشاربهم وتلون مآربهم وأيديولوجيتهم زجوا بنسائهم على مقاعد الكوتة فى آتون معركة انتخابية مشتعلة وغير مضمونة ولكنها داعبت أحلامهم فى زيادة حصصهم فى البرلمان.
وقد اتفق مع الآراء التى ترى أن التدابير الخاصة المؤقتة التى تتخذها الحكومة والتى تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة والتى لا تعتبر تمييزا هى بمثابة أدوات تساعد فى إحداث تغيير على المدى الطويل، لكنى أرى أن هذه التدابير وحدها لا تكفى لإحداث التغيير أو تحسين مشاركة النساء فى البرلمان فى المستقبل القريب، لأن هذه التدابير عندما تسن باسم حقوق النساء ويتم استخدام النساء اللاتى أتت بهن هذه التدابير لصالح حزب واحد فإن دور هؤلاء النساء يكاد ينعدم فى مساءلة الحكومة وتقديم خيارات سياسية بديلة إلى الشعب فحواها إعمال المساواة بين الجنسين، لكن يظل هناك أمل فى التأثير التراكمى من منظمات المجتمع المدنى عليهن لكى لا تؤثر انتماءاتهن الحزبية على ضمائرهن الشخصية.
وعندما صرح جمال مبارك فى مركز مؤتمرات جامعة الأزهر أمام مؤتمر القاهرة للحزب الوطنى يوم 28 أكتوبر 2010 بأن حزبه سينافس بشراسة وقوة على مقاعد المرأة فى كل دائرة من دوائر الجمهورية وأن الانتخابات القادمة ستكون فاصلة، كان ذلك إيذانا باندلاع الشرارة التى جعلت التنافس بين مرشحات الحزب الوطنى بعضهن لبعض والتنافس بينهن وبين مرشحات أحزاب المعارضة والمستقلات ونساء الإخوان المسلمين يأخذ أشكالا وأساليب تقترب من الأساليب الذكورية المعتمدة فى المعارك الانتخابية من تسويد بطاقات انتخابية وشراء الأصوات وانتشار أعمال البلطجة والعنف وانتهاك حقوق الناخبين ومنع مندوبى المرشحات من خارج الحزب الوطنى من دخول اللجان أو مضايقتهم، وفى عدة دوائر لم تتوافر بطاقة الكوتة، وكانت أكثر الأساليب شيوعا هى التشهير وترويج الشائعات التى تمس سمعة وأخلاق المرشحات سواء بالكلام أو عبر مواقع إلكترونية تحت أسماء مستعارة.
بدلا من أن تتفرغ المرشحات المستقلات والحزبيات على مقعد المرأة للترويج لبرامجهن الانتخابية، انشغلن فى مواجهة الأساليب السابقة والأمر اللافت للنظر إن المرشحات المستبعدات من الحزب الوطنى انقلبن عليه وتكتلن مع مرشحات أحزاب المعارضة والمستقلات وقدن حربا ضد مرشحات الحزب الوطنى فى عدد من الدوائر، وفى محافظة الدقهلية أضربت بعضهن عن الطعام وأرسلت 14 منهن مذكرات وشكاوى لقيادات الحزب متهمات أمانته بعدم الشفافية، وقد تعرضت المرشحات للعديد من الانتهاكات فى أثناء الحملة الانتخابية فقد اختطفت أجهزة الأمن بعض المرشحات من جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة والمستقلات وداهمت بيوتهن ومزقت ملصقاتهن، وتم منع بعضهن من توزيع منشورات الدعاية الانتخابية، وتعنتت الجهات المختصة فيما يتعلق باستخراج التوكيلات لمندوبيهن فى اللجان، وامتدت هذه الانتهاكات إلى يوم الانتخابات نفسه من أعمال البلطجة والتزوير والرشاوى والتصويت الجماعى.
لكن رغم كل هذه الانتهاكات والسلبيات لمعارك النساء للحصول على مقاعد الكوتة فى البرلمان المصرى، هناك ظاهرة إيجابية لافتة للانتباه وهى أن المرشحات خضن المعركة الانتخابية ببرامج شديدة التنوع سواء كن من الحزب الوطنى، المعارضة، المستقلات، الإخوان المسلمين، فبعض البرامج ركز على حق المرأة فى فرص أكبر فى المشاركة السياسية والاجتماعية وتمكينها من أجل الحصول على حقوقها القانونية والدستورية وفيما كان حصول المرأة على الإرث الشرعى، الأحوال الشخصية هى القضايا ذات الأولوية فى بعض البرامج الانتخابية، ركزت برامج أخرى على الشباب، الزواج المبكر، الأمية، التحرش الجنسى، الاتجار فى النساء، رفع الحد الأدنى للأجور وتخصيص إعانة للبطالة ووقف عمليات الخصخصة، ومساعدة المرأة المعيلة، تثبيت العمالة المؤقتة، تطوير التعليم وتطوير العشوائيات، تفعيل قوانين لحماية المرأة، الرعاية الصحية، المشاركة السياسية والاجتماعية