عانت مصر خلال العقود الأربع الأخيرة من هجرة متزايدة من أبناء الوطن إلى خارج البلاد بحثا عن رزق أو علم أو عمل أو هربا من اضطهاد سواء كان ذلك سياسيا أو إنسانيا أو لظروف عمل تهدر من كرامة الإنسان، وفى العديد من البلاد، التى هاجروا إليها حصل الكثير منهم على حق العمل الذى عززّه الحصول على جوازات سفر متمتعين بجميع الحقوق المدنية فى تلك الدول، ومن المهم هنا التنويه بأن الحصول على جواز سفر آخر لم يكن عملا يعاقب عليه القانون أو أنه قد تم التنويه يوما بأن الحاصلين على مثل هذه الوثائق قد يفتقدون أيا من حقوقهم المدنية أو السياسية، وفى كثير من الأحيان تقابل البعض مع شريكة عمره، وأنجبوا أطفالا، وعلى الرغم من كل ذلك لم تحول الغربة أيا منهم عن الاهتمام بشئون الوطن فهم مصريون قبل وبعد كل شىء، تدور حياتهم حول ما يحدث فى مصر سواء فى مقابلاتهم العائلية أو على المقاهى التى يرتادونها أو فى مأكلهم ففى الغربة حنين لا يرتوى، حافظوا على جوازات سفرهم، بل وأصدروا جوازات سفر لأولادهم، وفى أحوال كثيرة انتهى المطاف بهم بالعودة إلى أرض الكنانة واهبين حياتهم لخدمة مصر، وحصل أزواجهن أو زوجاتهم على الجنسية المصرية.
يقدر عدد المصريين العاملين بالخارج ما بين خمسة وثمانية ملايين، وهم يشكلون جزء أصيلا من الاقتصاد المصرى يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر فى الرفعة من شأن الوطن سواء عن طريق تحويلاتهم المالية أو عبر مساهماتهم العلمية فى نهضة مصر، وتميزت عقول مصرية فى العديد من مجالات العلم والمعرفة بل إن بعضهم حصل على أعلى الأوسمة العالمية والمصرية أيضا، على الرغم من كل ذلك فلقد عانى المصريون فى الخارج من حرمانهم من المشاركة فى صياغة مستقبل البلاد عبر الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات العامة المصرية، وذلك لعدم توافر تسهيلات للتصويت فى السفارات والقنصليات المصرية. ولقد طالب المصريون المقيمون فى الخارج مرارا وتكرارا بإصلاح هذا الأمر المعيب دون جدوى، علما بأن هذا حق تتمتع به اغلب شعوب العالم وعلى سبيل المثال لا الحصر (الولايات المتحدة الأمريكية ــ العراق ــ فرنسا ــ لبنان).
تأتى التعديلات الدستورية الجديدة والمقترحة من لجنة تعديل المواد الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية لتعاقب قطاع مهم من أبناء مصر فى الداخل والخارج، وجعلت منهم مواطنين من درجة ثانية عبر منع الحاصلين على جوازات سفر غير مصرية أو المتزوجين من غير مصرية أ وأبنائهم من الترشح لهذا المنصب الرفيع، إن هذه التعديلات المعيبة تأتى بلا أى مقدمات ولم تذكر فى أى من دساتير مصر السابقة بعد أن أصبحت جمهورية (دستور ٥٤، الدستور المؤقت ٥٦، دستور ٧١)، ولم تكن أيا من هذه التعديلات شرطا لمنصب رئيس الوزراء أو الوزراء أو أعضاء البرلمان فى مصر الملكية. إن هذا التعديل الاقصائى يقسم أبناء الوطن الواحد، فالمواطنة لاتتجزأ فمن يتمتع بحق الانتخاب يجب أن يكون له الحق فى الترشيح. ولعلنا نتأمل هنا كم من الشخصيات العامة والسياسية كانت سوف تمنع من الترشح لو كان مثل هذه التعديلات معمول بها فى وقتهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر طه حسين (متزوج من فرنسية)، سعد زغلول (متزوج من تركية)، وبانى مصر الحديثة محمد على باشا (من أصل ألبانى تركى).
الأهم أن هذه التعديلات تمنع مباشرة العديد من الشخصيات العامة من الترشح مثل الدكتور أحمد زويل ــ الحائز على جائزة نوبل وعلى قلادة النيل أعلى الأوسمة المصرية ــ لأن زوجته سورية، كما تمنع الدكتور مجدى يعقوب ــ أشهر جراحى القلب فى العالم والحائز هو الآخر على قلادة النيل لأنه مزدوج الجنسية، وهو نفس السبب الزى يمنع العالم الجليل فاروق الباز.
هذا بالإضافة إلى الآلاف من العلماء المصريين مزدوجى الجنسية والمقيمين فى الداخل والخارج، وأخيرا وليس آخرا فانها تمنع احد اكبر قيادات التغيير فى مصر الدكتور محمد أبوالغار لأن زوجته سويدية، وعلى الرغم من أنها تجنست بالجنسية المصرية، ولعلنا نتأمل هنا أنه لو طبقت نفس القاعدة لما أصبح باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وقائدا عاما لقواتها المسلحة ــ لأن أباه كان كينيًا مسلما، ولا كان من الممكن ان يكون سيدنا محمد أول رئيس للدولة الإسلامية لزواجه من أجنبية ــ مريم المصرية.
إننا نعيش فى عصر المعلومات، عصر لا تخفى فيه الحقائق، ولذا فان مثل هذة المعلومات لا يمكن إخفاؤها عن الناخب المصرى، الذى سيكون الفيصل فى الاختيار، فلو رأى الناخب ازدواج الجنسية أو الزواج من أجنبية صفة لا تناسب هذا المنصب الرفيع لما انتخبه. إن هذا التعديل معيب ومشين لأعداد كبيرة من أبناء هذا الوطن، كما أنه يمنع الوطن من الاستفادة من خبرات هائلة، ولعله من المفيد هنا حث جميع المصريين فى الداخل أو الخارج من العمل الدءوب والاحتجاج بكل الوسائل لدى جميع ممثلى الدولة المصرية سواء بالكتابة أو بجمع التوقيعات أو بالاحتجاج المباشر امام السفارات والقنصليات المصرية.
فى النهاية نحن جميعا مصريون ونفتخر بمصريتنا متساوون فى الحقوق والواجبات، وفى حق الانتخاب والترشيح فإن الحكم بين أى منا هو فى يد شعبنا المصرى العظيم وليس عن طريق أية قوانين اقصائية لا تليق بثورة شعب قام وثار من أجل مجتمع قائم على التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية.