تأملات من خارج الصندوق - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تأملات من خارج الصندوق

نشر فى : الأربعاء 11 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 11 يوليه 2012 - 8:00 ص

أعرف أن العنوان قد يكون موحيا بالحديث عن الصندوق الانتخابى أو ما شابه ذلك، لكننى لا سمح الله لن أتحدث عن الانتخابات والنتائج، كفانا الله شر الحديث عنها.

 

منشغلة أنا منذ وقت بالصندوق الذى تتفنن البنات فى وضع نفسها فيه، منذ أيام شاهدت إحدى البنات، وهى تضع نفسها عنوة فى هذا الصندوق.. جلسة فى غاية التقليدية لاختيار عريس للبنت التى تعدت الخامسة والثلاثين بعام واحد وهذا يعنى أنها فى منطقة الخطر.. جلست مضيفتها تتحدث عن مميزات العريس المنتظر، مهندس من أمريكا يمتلك فيللا، تلك الجملة المكونة من ثلاث كلمات رنانة كادت أن تلحس عقل البنت ( مهندس ــ أمريكا ــ فيلا)، لكننى كنت أكثر تركيزا فى بقية الصفقة، وكنت أبحث عن مكان الوجع. وبعد قليل اكتشفت أن العريس المنتظر لن يحمل نفسه ثمن تذكرة الطيران ليرى العروسة التى لا تعرف كيف تدخل على الإنترنت ولا تمتلك جهازا للدخول أصلا على النت، فسيتواصلان بالتليفون حتى يشعرا بالانجذاب، وبعدها يحجز العريس المنتظر تذكرة ذهاب للقاهرة وتذكرتى عودة إلى أمريكا هو وعروسه المنتظرة.

 

المثير للدهشة بالنسبة لى هو تلك المناقشة التى حدثت بين المرأة الوسيط والعروس، بداية من إقناعها بالفكرة والتشبث بأمل الزواج وحتى ذلك الأمل الغائم الذى أصبح يراود البنات ويدفعن من أجله ثمن حياتهن فيما بعد. ملأت المرأة عقل البنت بصور الزيجات الكثيرة السعيدة التى تمت بهذا الشكل، وظلت تحدثها عن اللحظة التى ستنجب فيها طفلا وتعيش فى مجتمع مغاير تماما، كنت مقدرة لخطورة الأمر: البنت مستسلمة للحلم بالكامل وترى الخلاص من كل مشكلات حياتها بهذه الزيجة، ستتخلص من العمل الممل الذى تشغله فى إحدى المصالح الحكومية، فطبيعة عملها تقتضى أن تحتسى الكثير من أكواب الشاى والانتظار فى الفراغ بلا مكتب وبلا عمل حقيقى سوى التوقيع فى دفتر الحضور والانصراف. هذه الزيجة ستخلصها أيضا من الأخ الديكتاتورى والأم المتسلطة.

 

كنت أنا الوحيدة التى ترى عدم منطقية هذه الزيجة، والواقع الأكثر إيلاما لى هو إقبال الكثيرات على هذه النوعية من الزيجات التى لا يوجد بها أى معرفة بالآخر ولا ينظرن إلى الصورة كما هى.. والحقيقة هى أنها مقبلة على الزواج بشخص لا تعرفه نهائيا، وأنها ستفاجأ به بعد الزواج، وأن هذا الشخص قد يكون مضطربا نفسيا.. فقد سبق لى الجلوس مع العديد من البنات اللاتى اكتشفن بعد الزواج أن العريس المنتظر مضطرب نفسيا أو لديه مشاكل جنسية تعوقه عن الزواج، وبدأ يعاملهن بشكل مؤسف مما دفع بالكثيرات إلى الاضطراب واستشارة متخصص.

 

كنت أسمع عبارة واحدة منهن «لم أكن أعرف أنه ينتظرنى كل هذا العذاب»، «لم أرَ يوما واحدا جميلا فى هذه الزيجة»، كلهن تشبثن بأمل السعادة المطلقة من خلال زيجة وأنه أخيرا هناك رجل يمكنهن استكمال الحياة معه، أخيرا هناك شخص سيخلصهن من شبح العنوسة.. البنت صارحتنى بأنها لا تحلم بأكثر من وجود أحد تحكى له مشاكلها ويسمعها برفق دون نقد، رغم تعاطفى الشديد معها فإننى كنت على يقين بأنه حتى هذا الحلم البسيط خيالى جدا. المشكلة هى الخوف الشديد من العنوسة التى باتت شبحا يطارد الكثيرات، ويدفعهن لمقاومته بقية عمرهن فى تعاسة بغيضة أو فى طلاق مرير.

 

أظن أن محاولتنا كسر وصمة العنوسة والتفكير فى بدائل هى أولى خطوات الخروج من هذا الصندوق. أعرف أن المجتمع ضاغط جدا ونظرته سخيفة إلى تأخر سن الزواج لكنه أكثر صرامة وسخفا مع المطلقة والمرار المهين الذى يمكن أن تحتمله إحداهن فى زيجة فاشلة ومهينة أكثر مرارا من العنوسة والطلاق. أعرف أن كل ذلك لا يأتى إلى الذهن فى تلك اللحظة التى ترى إحداهن فيها عريسا قبل بها، كل ما تراه البنت حينها هو لمعة الفستان الأبيض وصوت المزيكا فى الفرح ونفخة بطنها أثناء الحمل وميلاد طفل.

 

فقط أريدك أن تنظرى جيدا لزوايا الصندوق قبل أن تختارى الدخول فيه بهذه الطريقة، فكرى جيدا فى كل الاحتمالات، ولا تتنازلى عن أهمية معرفة الشخص جيدا والتأكد من صحته النفسية وطباعه ومدى قدرتك على احتمالها، واعلمى جيدا أن هناك وهما اسمه أن الرجال تتغير بعد الزواج، الرجال لا تتغير إلا إذا أرادوا أن يتغيروا والنساء كذلك أيضا. الصندوق لا يوجد فيه الفستان والطفل الصغير الذى ظللتى ربما عمرك كله تحلمين به، انظرى للصندوق جيدا وستجدى المزيد.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات