وجهًا لوجه مع ثورة - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وجهًا لوجه مع ثورة

نشر فى : الأربعاء 10 أكتوبر 2012 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 10 أكتوبر 2012 - 8:40 ص

يصل إلى المقر المتقدم للجيش السورى الحر، مقاتل أحمر الوجه يدعى فيصل طالبا لأسلحة. لقد جاء لتوه من خط الجبهة فى حى يسمى ساخور، ظل يتعرض للهجوم من قوات الحكومة لمدة ثلاثة أسابيع. وبينما يصرخ فى رؤسائه، يمكنك سماع دوى المدفعية على بعد نصف ميل.

 

ويحتد فيصل قائلا إن رجاله يموتون وانه يحتاج قذائف صاروخية لمواجهة دبابات جيش الرئيس بشار الأسد. ويبلغ فيصل من العمر 28 عاما، تخرج لتوه فى كلية الحقوق، وهو مهووس بشجاعة وانتعاش الثورة. ويستمع القائد إلى طلبه ولكن يقول انه غير موافق. فلا يملك الجيش السورى الحر ما يكفى من الأسلحة، والمجلس العسكرى الذى يدير المعركة ليس متأكدا أن فيصل ورجاله يمكن أن يحققوا المطلوب.

 

ويمضى المقاتل الشاب ومعه مدفعا واحدا قديما من المخزون الاحتياطى للمقر المتقدم فى «طريق الباب»، الذى ينسق القتال على الجبهة الشرقية من المعركة من أجل السيطرة على حلب. ويستمر هدير المدفعية بينما يأخذ فيصل سلاحه الثمين عائدا إلى المعركة. ويقال إن المقاتلين الجهاديين فى قاعدة قريبة، يعدون الهجمات المضادة، بالتنسيق مع قيادة الجيش السورى الحر.

 

ويكشف هذا المشهد، بعد ظهر الخميس الماضى، عن عدة حقائق أساسية عن المعركة فى سورية، التى تدمر الآن مدينة كانت فى الأيام الخوالى من نفائس العالم العربى: أولا، لا يوجد لدى المتمردين ما يكفى من الأسلحة لهزيمة قوات الأسد، ويرى كل السوريين تقريبا الذين تحدثت معهم أن هذا خطأ أمريكا، وثانيا، يحاول قادة الجيش السورى الحر ممارسة أفضل قيادة وسيطرة على ما كان عملية عشوائية غير منظمة، وثالثا، يبدو أن قوة الجهاديين السلفيين الذين لا يطلبون سوى الشهادة تتزايد فى هذه المعركة الفوضوية ضعيفة الموارد.

 

●●●

 

وفى الأسبوع الماضى أمضيت يومين متنقلا داخل البلاد مع الجيش السورى الحر. لقد ساعدونى فى التسلل عبر الحدود يوم الاربعاء من بلدة ريهانلى التركية. (تكلفة تهريب البشر عبرها 40 دولارا عادة، ولكن بالنسبة للأمريكيين قالوا انها تكلف 100 دولار) وكنت قد رتبت للرحلة من خلال منظمة فى واشنطن تسمى جماعة مناصرة سوريا، حصلت قبل عدة أشهر على إذن من وزارة الخارجية بجمع التبرعات وتقديم مساعدات أخرى للجيش السورى الحر.

 

وتصادف أننى كنت داخل البلاد، عندما تصاعدت التوترات بشكل حاد بعد رد تركيا على القصف السورى الذى أودى بحياة مدنيين. ولكن أيا كان تورط تركيا، يظل لجيش السورى الحر، المفتاح لتوسيع نطاق المعركة ــ والسؤال الملح هو كيف يمكن تعزيزه بما يكفى لتغيير التوازن ضد النظام.

 

 ومن خلال السفر ساعات طويلة، عبر الطرق الخلفية، كان من الواضح أن الشمال الريفى ينتمى إلى الجيش السورى الحر. فقد انتشرت نقاط التفتيش التابعة لهم فى كل مكان، ما عدا المدن والطرق الرئيسية، ويمكن لقادة المتمردين التنقل بأمان فى أجزاء كثيرة من الثلث الشمالى للبلاد.

 

●●●

 

«مرحبا بكم فى سوريا الحرة»، كانت التحية التى تلقيتها من عبدالله حايد، عندما وصلت إلى مخفر الحدود السورية يطلق عليه باب الهوى. وأخذنى لمقابلة العقيد عبدالجابر عقيدى، قائد قوات المتمردين فى منطقة حلب وربما أكبر قادة الجيش السورى الحر فى البلاد. وكان قد انتهى لتوه من صلاة العصر، على العشب مع بعض من ضباطه وجنوده. وتم تقديم العشاء من طبق مشترك وضع فوق الصحف على العشب. وكان من بين ضيوف العشاء رجل قيل لى أن لكنته تنبئ عن أنه ليبى، مما يضعه بين الجهاديين المعرفين باسم «المقاتلين الأجانب».

 

 وفى رده على أسئلتى، عقب العشاء، أبدى عقيدى خيبة أمل قائد، كان ينتظر مساعدة أمريكية، لكنه يزعم أنه لم يحصل على شىء ذى فائدة. وتتمثل السياسة الرسمية الأمريكية فى توفير مساعدات غير قتالية، تشمل أدوات السيطرة والقيادة، مثل الهواتف التى تعمل بالقمر الصناعى.

 

ويبدو من مظهر عقيدى أنه رجل عسكرى، عريض الصدر، يمتلئ ثقة، وهو من نوع الضباط الذين تأمل الولايات المتحدة أن يتولوا بناء قوة قتالية قوية. وهو يعد فى حال إذا ساعدته الولايات المتحدة فى الحصول على أسلحة حديثة مضادة للطائرات ومضادة للدبابات، «بالاحتفاظ بها بعيدا عن الجماعات المتطرفة». ويأمل فى ان تستطيع الولايات المتحدة توفير التدريب، أيضا ــ حتى لو كان دورة أساسية لمدة أسبوعين يمكن أن تساعد فى خلق جيش حقيقى.

 

 ولكن ما لم تقدم الولايات المتحدة الأسلحة التى يمكنها ترجيح كفة الميزان، سوف يحتاج عقيدى مساعدة من الجهاديين الذين يتوقون للقتال والموت. «ليس لدى أى مشكلة مع المتطرفين إذا كانوا يحاربون النظام، فكل ما يهمنا أن يسقط النظام وتتوقف اراقة الدماء.» وردا على سؤال عما قد يفعل إذا استخدم النظام أسلحة كيماوية؟ يضحك قائلا: «سوف نبحث لنا عن قبر».

 

●●●

 

وفى مخبأ فى أتيما على مسافة ساعة بالسيارة، التقيت العقيد عفيف سليمان، قائد قوات الجيش السورى الحر فى محافظة ادلب. وهو يرتدى واقيا على الكتف مع حزام عريض يوضع فيه الرصاص، وقد كرر نفس الإنذار بالنسبة لأمريكا: أعطونا الأسلحة وساعدونا على تنسيق قواتنا، وإلا سوف يسيطر المتطرفون.

 

وبعد منتصف الليل بوقت طويل، عدنا فى مرسيدس عقيدى المتداعية، وتوجهنا إلى مقره، شمال غربى مدينة حلب. وتستغرق الرحلة حوالى ساعتين، ولكن اللحظات المتوترة لا تأتى إلا عندما تمر عبر قرى تسيطر عليها جماعة كردية مدعومة من الأسد تعرف باسم حزب العمال الكردستانى. وكان ذلك وقت التحفز بالنسبة لعقيدى وحراسه.

 

 وغادرنا متوجهين إلى حلب بعد ظهر يوم الخميس. وخلال المسيرة الطويلة إلى قلب سوريا الأسد، كان سماع صوت الهليكوبتر من فوقنا الشىء الوحيد الذى يثير توتر المقاتلين. حيث يسيطر الأسد على السماء، وربما لن يغير هذا التوازن القاتل سوى الصواريخ الأمريكية وحدها.

 

 فإذا كانت الولايات المتحدة ترغب فى تنسيق أفضل على الأرض، عليها أن تسعى لتنسيق مساعدة خارجية. ولا شك أن الأموال المتدفقة من السعودية وقطر والكويت، تساعد المقاتلين المتطرفين، وتضعف أى سلسلة قيادة ينظمها الجيش السورى الحر.

 

●●●

غادرت سوريا فى وقت متأخر مساء الخميس، بسرعة غير عادية عبر 400 متر من المنطقة المحايدة، يرافقنى المهربون السوريون الذين كانوا متسامحين بشكل ملحوظ كلما علقت فى الأسلاك الشائكة، ولم يفرضوا رسوما إضافية على انتشالى عندما سقطت فى حفرة عند السياج الحدودى.

 

2012  جماعة كتاب الواشنطن بوست.
كل الحقوق محفوظة. النشر بإذن خاص.

التعليقات