هل تم إصلاح المحرك الاقتصادى؟ - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تم إصلاح المحرك الاقتصادى؟

نشر فى : الثلاثاء 11 يناير 2011 - 9:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 11 يناير 2011 - 9:55 ص

 فى ديسمبر 1930، قال جون ماينارد كينز مازحا، «إننا نعانى من مشكلة فى المحرك.

فكيف يمكننا إذن أن ندير المحرك من جديد؟»، مشبها اقتصاد الكساد الكبير الراكد بمحرك سيارة معطل. وكتب يقول إنه لا خوف من ألا تدور السيارة فى النهاية، «ولا حاجة بنا إلى افتراض أن عصر قيادة السيارات قد ولى».

مع بداية عام 2011، يتصرف كثير من المستثمرين كما لو أن «مشكلة المحرك»، التى أشار إليها كينز، قد حلت. وأسواق الأسهم تشهد الصعود مع شعور المستثمرين بعودة «روح الحيوان»، حسب استعارة تصويرية أخرى من استعارات كينز.

تعليقات المحللين الماليين متفائلة، ومخيفة كذلك إذا ما نظرنا إلى الماضى القريب.

يقول بنك RBS البريطانى «إننا نشهد حركة تداول قوية فى أسواق الأسهم خلال 2011». ويقول المتحمس جون ليكاس، كبير مديرى الأصول فى ليدر كابيتال «من المؤكد أننا فى سوق هائجة».

لكن هل أُصلح محرك الاقتصاد بحق؟ ربما كما لاحظ كينز، فإن ذلك فى جانب منه يعد مسألة إدراك، فإذا اعتقد المستثمرون أن الأيام الطيبة قد عادت وبدأوا فى استثمار أموالهم على أساس هذا التوقع، فستحل دورة فاضلة: سيتعاظم النمو، وستتسع الشركات للمزيد من العمال، وتقام المصانع الجديدة، وتتراجع نسبة البطالة، ويزيد إنفاق المستهلكين، وسنعود فى النهاية إلى الرخاء الكامل.

وإليكم الطريقة التى تناول بها كينز المسألة فى مقاله، بعنوان «ركود الثلاثينيات الكبير». فلقد قال إن الركود الاقتصادى «ربما يعود بقدر ما إلى أسباب سيكولوجية». وأوضح أن السبيل إلى «التعافى الحقيقى» هو استعادة الثقة المتبادلة فى قطاع الأعمال «بأن يصبح المقرضون على استعداد لتقديم القروض بشروط أيسر وعلى نطاق جغرافى أوسع، هذا من جانب، ومن جانب آخر استعادة المقترضين لروحهم الطيبة ليصبحوا بذلك أكثر استعدادا للاقتراض».
ويعتبر رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى بن برنانكى تلميذا نجيبا لنظرية كينز، التى ساعدته على تدعيم تجربته المثيرة للجدل مع الإستراتيجية النقدية المعروفة باسم «التيسير الكمى». وكان الهدف منها هو تغيير توقعات المستثمرين، ومن ثم تغيير الواقع.

وبشراء ما يبلغ قيمته 600 مليار دولار من أوراق الخزانة الخريف الماضى (وبالتالى إغراق الاقتصاد بنقود مطبوعة طازجة)، كان برنانكى يأمل فى جعل المال رخيصا للغاية، ومعدلات عوائد الدخل المنتظم منخفضة للغاية، بحيث لا يمكن للمستثمرين مقاومة شراء الأسهم. ومع صعود أسواق الأسهم سنشهد دورة الاستثمار الفاضلة وخلق فرص العمل، كما كان يأمل.

وحتى الآن، يستحق برنانكى الإشادة على اختياره لعبة كسب الثقة. يقول ديفيد سميك، أحد مراقبى البنك الفيدرالى الذى ألف الكتاب الرائع «العالم منحن»، «برغم كل الفزع الذى أثاره التيسير الكمى، فقد كان تحركا حكيما للغاية، بفرض نجاح استراتيجيته التالية للخروج».

وإليكم ما حدث من منظور بنك الاحتياطى المركزى، منذ أعلن برنانكى برنامج شراء السندات: ارتفع مؤشرS&P 500 للأسهم الرئيسية بنسبة 20%، ومؤشر Russell 2000 بأكثر من 30%، وانخفض معدل تقلب سوق الأسهم على مؤشر VIX بنحو 30%.

وبعيدا عن هذه المعايير الاقتصادية، هناك ما يشير إلى تحسن حقيقى فى الاقتصاد. وقد أشار معهد الإمداد الإدارى الاثنين الماضى إلى أن مؤشره لأنشطة المصانع ارتفع للشهر السابع عشر على التوالى.

ومبيعات السيارات والسلع الاستهلاكية المعمرة فى ازدياد. ويبدو أن النظام البنكى ينعم بالاستقرار أخيرا.

واليكم مثال مدهش للطريقة التى يعالج بها النظام نفسه.

فحسب بنك التسويات الدولية، تراجع حجم مقايضة الائتمان الافتراضية تلك الأدوات الخطرة التى أسهمت فى تفاقم الأزمة بمعدل النصف تقريبا عن أقصى ارتفاع له والذى بلغ 60 تريليون دولار فى 2007.

ما هى مكامن الخطأ الكامنة فى هذه الصورة السارة؟ نظرا لأنها عبارة عن توقعات بشأن المستقبل، فكل شىء فيها تقريبا يمكن أن يكون عرضة للخطأ. فالاقتصاد لايزال هشا ومعرضا لصدمة أخرى. وهذا ما جعل برنانكى لا يستبعد بيع المزيد من أوراق الخزانة (أى مواصلة المطابع تقديم المزيد من النقود لمدة أطول قليلا)، وما يجعله يرى ضرورة أن يضع الكونجرس قواعد مالية مشجعة للنمو لاستكمال سياسة الاحتياطى المركزى.

وأفضل علامة على الإصلاح الحقيقى للمحرك الاقتصادى ستكون عندما نشهد خطة مشتركة بين البيت الأبيض و«الجمهوريون» فى الكونجرس لتقليص عجز الموازنة خلال السنوات العشر المقبلة.

وعناصر هذا البرنامج الطويل المدى للتعافى واضحة: إصلاح وتبسيط قانون الضرائب، تخفيض برامج الاستحقاقات، تقليل الإنفاق العسكرى بما يعكس بيئة استراتيجية متغيرة.

وهناك تأييد من الحزبين من حيث المبدأ، لكن الأمر يختلف فى التطبيق.

ويعبر كينز عن الموضوع بطريقة جيدة فى نهاية مقال 1930. فهو يوضح أن الزعماء السياسيين «المتشابهون فى التفكير والمتعاونون معا، يمكنهم إدارة المحرك من جديد خلال مدة معقولة، إذا ما أقروا بثقة بالأخطاء التى وقعت».

كاتب أمريكى متخصص فى السياسة الدولية والاقتصاد

التعليقات