فلنعتذر إلى مينا ونبيل - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلنعتذر إلى مينا ونبيل

نشر فى : الخميس 11 أكتوبر 2012 - 8:10 ص | آخر تحديث : الخميس 11 أكتوبر 2012 - 8:10 ص

فى الصف الثانى الابتدائى أخبرتنا مدرسة الدين أن الإسلام هو الدين الصحيح، وأنه لا وجود للمسيحيين فى مصر، وما أكد على كلامها أننى كنت فى مدرسة إسلامية لا تقبل المسيحيين. لكن عندما عدت للبيت صدمنى أنها تكذب، إذ قال لى أبى ومن بعده جدتى إن هناك ديانة أخرى فى مصر وأن حاتم ابن جارتها الذى كنت أحب اللعب معه هو مسيحى الديانة. ثم ذهبت ومعى أمى فى اليوم التالى إلى المدرسة وأصررت على تصحيح المعلومة.

 

تكرر ذلك مرة أخرى فى الصف الأول الإعدادى عندما أخبرنا مدرس التاريخ أن المسيحيين سيدخلون النار، وتكرر ذهاب أمى إلى المدرسة لتصحيح المعلومة.

 

تذكرت هذه الأحداث وأنا أتابع أخبار الطفلين المتهمين بازدراء الأديان فى بنى سويف وإيداعهما مؤسسة للأحداث، ثم الإفراج عنهما وتسليمهما إلى والديهما.

 

طفلان لم يتجاوزا العاشرة من عمرهما، غير مسئولين تماما عن أفعالهما، والجريمة الأكبر ارتكبها من حاكمهما وأدخلهما مؤسسة الأحداث لعدة أيام.

 

فى الحقيقة عند سماع الخبر تزاحمت المشاهد فى عقلى واستولت على ذهنى تماما. المشهد الأول فى 2005 عندما كنت أقوم ببحث داخل إحدى دور رعاية الأحداث بالجيزة، طفل يجلس على ركبتيه فى استسلام شديد وثابت تماما، بينما يقوم المشرف بضربه على وجهه ضربات متتالية بعنف شديد دون أن يتحرك، وإلا وسيتضاعف العقاب.

 

المشهد الثانى فى 2006 بإحدى دور رعاية الأحداث بالعجوزة، وتحديدا فى غرفة الطعام على إثر شجار مجموعة من البنات المقيمات بالمكان، تبادلن وابلا من الشتائم وقاموا بإلقاء السكاكين فى وجه بعضهن، ما أصابنى بحالة من الذعر الشديد.

 

المشهد الثالث فى 2010، وتحديدا فى شهر رمضان، عندما كنت أقوم بإلقاء محاضرة عن الاحتياجات النفسية لمجموعة من الأطفال لم يتجاوز عمرهم 12 سنة بإحدى دور رعاية الأطفال المسيحية... فى البدء رحبوا بى جدا والبنات أحبتنى وبسرعة حدث تآلف ومشاركات عميقة حول احتياجاتهم، لكن تغير كل ذلك فى دقائق عندما أخبرتهم أننى صائمة واكتشفوا أنى مسلمة، عندئذ حرمت من الدخول بدعوى أننى أدرس منهجا إسلاميا، رغم أننى كنت أقوم بتدريس كتاب عن الاحتياجات النفسية مؤلفه مسيحى... وهو المنهج نفسه الذى كدت أحرم من دخول مدرسة أخرى بسببه تحت دعوى أن الكتاب لمؤلف مسيحى، وعندما اكتشفوا أننى مسلمة وافقوا على المحاضرات.

 

كنت أفكر أيضا فى الجرائم المتتالية التى ارتكبت فى حق الطفلين، كل جريمة منهم كانت كافية لإثارة غضبى من المجتمع بأسره، أتخيل ما الذى حدث للطفلين فى دور الرعاية ببنى سويف على خلفية اتهامهم بإزدراء الأديان.

 

أتخيل الذعر الذى شعروا به وسط تواجدهم مع مجموعة من الأطفال المجرمين وكم الإساءات التى تعرضوا لها والكافية ليس لكرههم للإسلام بل وكرههم للمجتمع بأكمله وتحويلهم إلى مجرمين.

 

من الذى يراقب ما يبث فى عقول أطفالنا ؟ فى الحقيقة لا أحد. بالأمس كنت أسأل أم عن أسماء أصحاب طفلها فى الحضانة، فأجابتنى بأنها لا تعرف أى شىء عن الساعات التى يقضيها هناك. لا يوجد تواصل جيد بين الأطفال والوالدين. ولا يوجد رقابة على المحتوى الذى يبث فى عقول الأطفال.

 

مدارس الأحد فى الكنائس فكرة فى غاية الأهمية والخطورة فى آن واحد، هى تعمق الإحساس بالانتماء لدى الأطفال، لكن لو تم استغلالها لحشد الأطفال ضد المسلمين وتعميق الهوية المسيحية وطمس الهوية المصرية والعربية لأصبح الأمر كارثة. أيضا أصبح هناك اقبال من الأهالى على ذهاب أبنائهم إلى الجوامع وتحفيظهم القرآن، وهو أمر بدأ يحدث مجددا بعدما انحسر لسنوات، وللأسف لا توجد رقابة على ما يقدم لهؤلاء الأطفال، ففى النهاية الموضوع متروك للاجتهادات الشخصية والانتماءات المختلفة. وفى ظل غياب التواصل بين الأهل والأبناء لن تجد من يقوم بتصحيح هذه الأفكار.

 

و للرد على الشيخ جمال شمردل، أمير الجماعة الإسلامية ببنى سويف والذى صرح بالنص «أنا أحمل قس القرية المسئولية لأنه لم يقم بواجبه نحو توعية الأسر المسيحية فى الكنيسة»، فأنا أحمله أيضا المسئولية لأنه لم يقم بواجبه لتوعية الأسر المسلمة، لأن المجتمع الذى يحول قضاياه فى هذا الوقت العصيب إلى قضية وحيدة وهى محاكمة طفلين لم يتعدا العاشرة من عمرهما، هو مجتمع طفولى يحتاج إلى إعادة تأهيل.

 

الأمر فى غاية الخطورة، ويحتاج لوقفه حقيقية ومحاسبة واضحة لمن أصدر الحكم على الطفلين، ويجب أن تتخذ إجراءات لوقف نزيف التعصب الدينى وخاصة لدى الأطفال. كلنا مدينون بالاعتذار للساعات العصيبة التى قضاها مينا ونبيل، طفلا بنى سويف، من جراء اللوث العقلى للكبار، كلنا نتشارك فى المسئولية إزاء ما تم بثه فى عقل هؤلاء الأطفال.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات