نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب مروان المعشر، يقول فيه إن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة حوّلت الضوء عن حقيقة الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، من صراع لإنهاء الاحتلال إلى صراع حول منع تهجير عرب إسرائيل ومنحهم حقوقا متساوية. دعا الكاتب إلى مراجعة هذا الوضع عربيا قبل أن يكون دوليا... نعرض من المقال ما يلى:سلّطت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة الضوء على حقيقة لطالما حاولت الدول العربية والمجتمع الدولى تجاهلها أو إنكارها: لقد تم تحويل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، من جهود فعلية أو لفظية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية والوصول إلى حل الدولتين، إلى صراع حول الحقوق المتساوية ومنع التهجير الفلسطينى ليس من الأراضى الفلسطينية المحتلة وحسب، وإنما من الداخل أيضا، كما يطالب بذلك علنا حزب إيتمار بن غفير العنصرى، المصنّف على أنه من داعمى الإرهاب من حكومات عدّة، بما فى ذلك حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
بدأت أصوات إسرائيلية، مثل الكاتب الصحافى جدعون ليفى بالمطالبة بمراجعة التفكير السياسى لليسار الإسرائيلى، متهمة إياه بالمساهمة فى ما آلت إليه الأمور فى إسرائيل، حين غضّ النظر عن الحقوق الفلسطينية وتجاهل أو تماشى مع بعض مواقف اليمين الإسرائيلى إرضاء للشارع الإسرائيلى، ولم يقدّم بديلا مقنعا لجمهوره السابق يؤدى إلى حل الدولتين الذى كان ينادى به. ويقول ليفى إن اليسار الإسرائيلى تبعا لذلك هو أيضا شريك فى المسئولية عن التحول اليمينى المتطرف الذى عكسته نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وإن عن غير قصد.
أعتقد أن هذه المطالبات بمراجعة إسرائيلية لسياسات من كانوا يدعون لتأييد حل الدولتين فى إسرائيل ستكبر فى الأيام المقبلة، وسيعى عدد كبير من الشعب الإسرائيلى أن السكوت عن الاحتلال والانتهاك اليومى للحقوق الفلسطينية من قبل الاحتلال، أدّيا بهم إلى مجتمع باتوا أنفسهم يعترفون بأنه عنصرى متطرف إلى حدّ الأبرتهايد. إذا كان الحال كذلك، ألا يتحمّل المجتمع الدولى أيضا جزءا من المسئولية، حين غضّ الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للحقوق، بل للحياة الفلسطينية، وحين سمح بأطول احتلال فى التاريخ المعاصر، معلّلا ذلك بأن الوصول إلى حل الدولتَين سينهى هذه الانتهاكات وهذا الاحتلال؟ وإذ كان للمجتمع الدولى دور لا ينكر فى البداية فى الوصول إلى هذا الحل، فقد تحوّل هذا الدور إلى دعم لفظى فقط للعملية السلمية، وحل الدولتَين، على الرغم من إدراك استحالته اليوم فى ظل غياب الإرادة السياسية ووجود أكثر من سبعمائة ألف مستوطن فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
لسنوات كثيرة، لم يرغب المجتمع الدولى بتسمية الحقائق كما هى، أى إن إسرائيل لا تنوى إنهاء الاحتلال، ولا إقامة الدولة الفلسطينية، بل إنها آخذة فى إرساء نظام فصل عنصرى للشعب الفلسطينى تحت الاحتلال كما لفلسطينيى وفلسطينيات الداخل. تشبّث المجتمع الدولى بهذا الموقف لأنه الأسهل، فهو يرحل المشكلة إلى الأمام ولا يرغمه على التفكير ببدائل مزعجة له، كتأييد حل الدولة الواحدة ذات الحقوق المتساوية للجميع مثلا. فإلى أين أدّى هذا الترحيل؟ عوضا عن تحدى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطينى، بات المجتمع الدولى اليوم فى مأزق ساهم فى الوصول إليه، وهو مأزق الأبرتهايد. وسيضطر المجتمع الدولى، عاجلا أم آجلا، للتعامل مع هذا المأزق بينما تتزايد الأغلبية الفلسطينية الحالية داخل الأراضى التى تسيطر عليها إسرائيل حتى تصل، خلال عقد أو عقدين، إلى نسبة لن يستطيع أحد تجاهلها.
وماذا عن العالم العربى؟ ألم يتمسك هو الآخر بحل يدرك استحالته، أو تُوقِّع بعض دوله اتفاقيات ثنائية مع إسرائيل، بغض النظر عن نظامها العنصرى؟ هل ستستطيع الدول العربية، وهى التى أعادت التزامها بحل الدولتَين ومبادرة السلام العربية فى قمة الجزائر وكأن الانتخابات الإسرائيلية لم تحدث، تكرار الموقف الدولى الذى لم يعد يتمتع بأى مصداقية كانت بعد هذه الانتخابات؟ وإن كان المجتمع الدولى يعتقد أنه بعيد عن الصراع ويستطيع الاستمرار بتجاهله، فهل يملك العالم العربى مثل هذا الترف المزعوم؟
ما حدث فى إسرائيل تطور خطير للغاية، لا بدّ من مواجهته عربيا قبل أى مواجهة دولية، من خلال مراجعة جذرية للسياسات العربية تجاه إسرائيل. ولا بد من أن نسأل بعضنا حفنة من الأسئلة الصعبة، بغض النظر عن النوايا الطيبة التى لا أشكّك فيها أبدا: هل ساهمت مواقفنا من تأييد حل الدولتَين غير المقرون بخطة واضحة لتنفيذه، وغير الموازى لوقف عملية الاستيطان، فى وصول إسرائيل إلى ما وصلت إليه؟ وهل أدت الاتفاقيات الموقّعة مع إسرائيل إلى تليين الموقف الإسرائيلى؟ أم أنها أعطته شعورا بالاطمئنان زاد من تمادى الاحتلال وانتهاك الحقوق الفلسطينية؟ وهل تستطيع الدول العربية الاستمرار فى اتفاقيات الطاقة والمياه مع إسرائيل بينما تكرّس الأخيرة نظام أبرتهايد بشكل يومى؟
هل ندرك اليوم على الأقل الحاجة إلى مراجعات جادة لكل سياستنا مع إسرائيل، من دون أن أحاول استباق نتيجة هذه المراجعة؟ أم أننا سنواصل سياسة تجاهل ما يحدث فى إسرائيل والتمسك بمواقف داعمة للسلام مع شريك وهمى غير موجود؟
النص الأصلى: