قـوة الضعفاء - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قـوة الضعفاء

نشر فى : الثلاثاء 12 أبريل 2011 - 9:44 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 أبريل 2011 - 9:44 ص

 يمتلك الضعفاء قوة جديدة فى عصر الإعلام الحديث: حيث يشاهد معاناتهم ملايين من ذوى النوايا الحسنة حول العالم الذين يحتمل أن يدعموا التدخل لإنقاذهم من محنتهم.

ولكن هناك عاقبة خطيرة لهذه القوة الجديدة للضعفاء: فهى قد تقود جماعات غير منظمة إلى بدء معارك مع السلطات القائمة لا تستطيع إنهاءها؛ ما لم تتول قوى كبرى إنقاذها. وفى هذا السياق، قد يشجع الاهتمام الإعلامى التحركات التى يمكن تؤدى إلى القتل والقمع.

وتبدو السلطة المتناقضة للضعفاء واضحة اليوم فى ليبيا، حيث تتحدى مجموعة من المتمردين غير المنظمين مختلفى المنابع، سلطة الديكتاتور معمر القذافى الراسخة. وسرعان ما احتشد العالم (أو على الأقل القسم الذى يشاهد التليفزيون منه) حول قضية المتمردين. وشكل عجزهم بالذات جزءا من جاذبيتهم.

ولقد تجاوز حافز مساعدة المتمردين الليبيين المحاصرين أى تحليل جاد لقيادتهم ونواياها. كما أثارت الصور المنشورة عن محنتهم تقييما لما إذا كان من الممكن أن ينتصر المتمردون، أو الكيفية التى يمكن أن يتولوا الحكم بها، إذا انتصروا بشكل أو بآخر. وتسعى أجهزة الاستخبارات الغربية إلى تقدير هوية هؤلاء المتمردين، بعدما قررت الأمم المتحدة والجامعة العربية والناتو مساعدتهم.

وربما يبدو التشكك فى منطق التدخل الإنسانى نوعا من عدم الرحمة، خاصة عندما يبدو وقوع كارثة أمرا وشيكا. ولكن من المفيد أن يكون لدينا بعض المعايير وأن نفهم القوة العكسية الخفية التى تعمل هنا. وإلا ستصبح السياسة، لا محالة، مدفوعة بصور العزل الذين رفعوا السلاح ضد نظام الشر.

كانت المرة الأولى التى رأيت فيها قوة الضعفاء وهى تعمل، فى لبنان أوائل الثمانينيات. حيث عجز الإسرائيليون، على الرغم من تفوقهم العسكرى الساحق عن إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982. وكان ذلك من الأسباب الرئيسية لتغطية الصراع تليفزيونيا. ولجأ الإسرائيليون فى سبيل التخلص من الفلسطينيين إلى استخدام مستوى من القوة والإرهاب المادى أثار رعب العالم.

وكما كتبت فى ذلك الوقت، كانت مشكلة الإسرائيليين، أن إعلامهم كان متعارضا؛ فالمشاهدون الفلسطينيون استنتجوا أن تهديد الإسرائيليين، على الرغم من جيشهم الحديث، أقل مما يبدو. بينما استنتج بقية العالم أن الإسرائيليين كانوا يستأسدون على الضعفاء. ومنذ ذلك الحين، استمرت مشكلة الرسائل المختلطة بالنسبة لإسرائيل.

واستخدمت الميليشيات اللبنانية أيضا قوة الضعفاء: فقد بدأت الميليشيا المسيحية المعروفة باسم الكتائب حربا أهلية عام 1975، لم تستطع أن تنتصر فيها، متوقعة أن تهب فرنسا وغيرها من القوى الاستعمارية السابقة (بالإضافة إلى الولايات المتحدة) لإنقاذها. وفى نهاية الأمر، كانت سوريا هى التى قادت ما يسمى بقوة الردع العربية للحفاظ على الوضع الراهن، واستمرت حرب أهلية لمدة 15 عاما أخرى.

وظهرت قوة الضعفاء من خلال مسلمى البوسنة، عندما أعلنوا فى 1992 الاستقلال عن يوغوسلافيا التى يقودها الصرب. وكانت قضيتهم مؤثرة (مثلما كانت قضية المسيحيين اللبنانيين، والفلسطينيين، وأخيرا الليبيين). غير أن المشكلة كانت عجزهم عن تحقيق الانتصار بمفردهم. لذلك شاهد العالم صورا لتدمير سيراييفو تدمى القلوب؛ وكانت المجزرة الرهيبة فى سربرينتشا يوليو 1995 سببا فى التدخل الدولى الحاسم لوقف الحرب.

وشكل الضعف قوة أيضا بالنسبة لكوسوفو فى حملتها عام 1999 للاستقلال عن صربيا. وكان أهل كوسوفا الشجعان محظوظين أيضا، حيث واجهوا عدوا فاقد الشعبية، هو الديكتاتور الصربى سلوبودان ميلوسيفيتش. وكان أهل كوسوفا سيتعرضون لهجوم وحشى إذا واصلوا القتال بمفردهم. لكن حلف الناتو تدخل، بحملة قصف استمرت ثلاثة أشهر لمساندة المقاطعة الراغبة فى الانفصال، واستسلم ميلوسيفيتش فى يونيو 1999.

وإذا عدنا إلى ليبيا، فكلما زادت معرفتنا عن حركة التمرد الفوضوية، قلت جاذبية تحقيق المتمردين انتصارا صريحا. فربما كان الأفضل أن يحل محل القذافى حكومة ائتلافية تضم المتمردين وشخصيات «يمكن التصالح معها» من النظام القديم منشقة عن الديكتاتور. فهل يمكن التوصل إلى هذه النتيجة من دون تدخل عسكرى؟ ذلك تساؤل يستحق التدبر.

والخلاصة المثيرة للقلق هى: إذا أردت الإبقاء على نظام ديكتاتورى، عليك بتحطيم المعارضة فى غرف تعذيب سرية، لا فى الشوارع؛ وإرهاب التغطية الإعلامية أو منعها؛ وضبط الإنترنت لمنع تسرب صور من شأنها هز ضمير العالم. وتلك استراتيجية ساخرة، لكن يبدو أنها تحقق نجاحا! انظروا فقط إلى إيران.

التعليقات