ارتداء قبعة ميكيافيلى - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ارتداء قبعة ميكيافيلى

نشر فى : الإثنين 12 يوليه 2010 - 1:05 م | آخر تحديث : الإثنين 12 يوليه 2010 - 1:05 م

 مارس هنرى كيسنجر وزبيجنيو بريجنسكى، خبيرا الدبلوماسية الميكيافيلية فى أمريكا الحديثة، مهارتيهما فى زمن مماثل لهذا الزمن ــ حيث تعانى البلاد من انتكاسات فى الحرب وفقدان الثقة فى القيادة السياسية.

لهذا، سوف يكون تمرين ذهنى مشوق أن نتخيل الطريقة التى سوف يحرك بها أحد مستشارى الأمن القومى آلة الدبلوماسية الأمريكية الآن، باستخدام أسلوب القنوات الخلفية السرية الخاص بكيسنجر أو بريجنسكى.

وتذكروا أننى لا أشير إلى السياسيات التى من شأن هذين أن يوصيا بها اليوم، بل أتساءل عن منهج الدبلوماسية المبدع أكثر من غيره الذى قد يسفر عنه زمن العسر.

وعندما أقول «مبدع» فما أعنيه إلى حد ما هو مراوغ. إذ لم يصرح كل من كيسنجر وبريجنسكى علنا أبدا عما سوف يقومون به سرا. فبعد حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، فتح كيسنجر قناة استخباراتية سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية، فى الوقت ذاته الذى كان ينعتها فيه بالجماعة الإرهابية، ويرفض الاعتراف الصريح بها. وأحاطت محادثات سرية مشابهة بعملية السلام العربى الإسرائيلى الشامل.

لم تكن كل مؤامرات كيسنجر ناجحة: إذ بارك التدخل السورى فى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 من أجل دعم المسيحيين ضد منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذى يمكن أن نقول عنه إنه مازال يسبب مشكلة ما. ولكنه من ناحية أخرى خلق مساحة وخيارات أمام أمريكا التى كانت حرب فيتنام قد أضعفتها.

وكان بريجينسكى أيضا ماهرا فى العمل بصورة خفية على موازنة رئاسة جيمى كارتر الآخذة فى الانجراف. فعندما تقدم الاتحاد السوفييتى فى جرأة إلى أفغانستان، ألف بريجنسكى تحالفا استخباراتيا سريا مع الصين وباكستان من أجل كبح جماح السوفييت. وهنا أيضا، مازلنا نعيش بعض سلبيات ذلك. ولكن ينبغى علينا قول إن الاتحاد السوفيتى لم يعد قائما.

دعونا نرَ كيف يمكن تطبيق هذا المنهج اليوم على أربعة مجالات من المشكلات: العرقية، والفوضى العربية الإسرائيلية، والمواجهة بين الهند وباكستان، والمباراة النهائية فى أفغانستان. ومرة أخرى، أود التأكيد على أن تلك المناورات تتم فى إطار الأسلوب الخاص باستراتيجيات جديرة بالاحترام، لكنها ليست بالضرورة ما يجب الدعوة إليه الآن.

تمثل العراق الموقع الذى على أمريكا الآن، بعد خوضها حربا فوضوية فيه، أن تصوغ النتائج السياسية مع استخدام الحد الأدنى من القوة. إنه الموقع الذى ينبغى أن يكون لديك فيه أمل فى قيام الاستخبارات المركزية الأمريكية فى خلق أصدقاء وصلات به، وهو الذى سوف يكون وجود سفير قوى للولايات المتحدة فيه أمرا جوهريا. وكان قضاء نائب الرئيس بايدن عطلة نهاية الأسبوع هناك فى الرابع من يوليو أمرا مستحبا، حيث كان يحث على تشكيل حكومة جديدة. وقابل الأطراف الصحيحة؛ وسوف يحتاج الآن هو والسفير الجديد جيم جيفرى جذب تلك الخيوط بقوة.

وتمثل مشكلة الفلسطينيين إحدى المشكلات التى آمل أن تشتبك الولايات المتحدة فيها ببعض الاتصالات الدبلوماسية السرية مع إسرائيل وسوريا ولبنان والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، وحتى حماس. فعندما يبدو الطريق المفتوح مسدودا، يحين وقت تجريب مسالك جديدة. وينبئنا التاريخ بأنه عندما تقيم أمريكا صلات سرية مع الجامعات الرافضة، فإنها تنقسم؛ وهذا ما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية فى 1974.

وكان الجمود الهندى الباكستانى فى المربع «شديد الصعوبة» لمدة سنوات. ولكن مثلما حدث فى مفاوضات التسعينيات بين بريطانيا والجيش الجمهورى الأيرلندى بشأن أيرلندا الشمالية، يمكن لأمريكا أن تشجع بمهارة اتصالات أكبر بين الطرفين وتيسر تبادل الاستخبارات والمعلومات العسكرية حول مكافحة الإرهاب، الأمر الذى سوف يكون جوهريا فى بناء الثقة. ويرغب رئيس وزراء الهند سينج فى تسوية؛ وعلى الولايات المتحدة تشجيع خطوات عكسية من قبل باكستان بما يجعل البلدين أكثر أمنا.

وأخيرا، هناك التحدى الاستراتيجى الأكبر فى أفغانستان. ويعد صول الجنرال ديفيد بتريوس «المعامل س» المفيد هناك. فهو سيجعل طالبان تعيد التفكير بشأن الافتراض الهش، لولا ذلك، بأنه باستطاعة الولايات المتحدة وحلفائها إبطال قوة دفة العدو الدافعة فى ساحة القتال.

لكن سوف يكون الاختبار الحقيقى فى اتصالات القنوات الخلفية بين أولئك الخصوم الذى يمكن التوفيق بينهم ــ وهو الأمر الذى برع فيه بتريوس فى العراق. ولابد لإدارة أوباما من اتخاذ قرار بشأن نوع النتائج التى ترغب فيها، وبعد ذلك استخدام كل عنصر من عناصر القوة العلنية والسرية، والعسكرية والدبلوماسية من أجل التوصل إليها. وسوف تكون الاتصالات السرية مع عناصر من طالبان مفيدة على نحو خاص إذا تمكنت تدريجيا من بناء الثقة حول ما يمكن أن يوفره كل جانب للآخر.

ربما تباشر نازعات السدادات الدبلوماسية هذه عملها بالفعل حاليا. وتلك طبيعة الدبلوماسية السرية الناجحة التى لا تعلم شيئا عنها إلا حين تتم ــ بل ربما لا يعلم عنها أحد شيئا فى ذلك الحين. لكن إذا كانت هناك لحظة الولايات المتحدة التى أعياها القتال فى حاجة إلى استراتيجية مخادعة لاستكشاف الخيارات، فهى الآن.

إلا أنه لا يتضح من الذى يمكنه من بين طاقم الإدارة القيام بهذا الدور، وتلك مشكلة على الرئيس أوباما معالجتها.

) c) 2010، Washington Post Writers Group

التعليقات