نشر مركز كارنيجى موسكو مقالا للكاتب أليكساندر أكسينينوك يرى فيه أنه بخلاف ما يقال من أن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون معادية لروسيا، إلا أنه فى الواقع قد تلجأ الإدارة الجديدة إلى إعطاء أولوية للوصول إلى حلول وسط، وخاصة بشأن الأزمة السورية... نعرض منه ما يلى:
يشير الكاتب إلى ما تركه ترامب من إرث معقد لبايدن لا يمكن الاستمرار فيه أو تغيير مساره. سيكون على الرئيس الجديد إعادة الدور القيادى للولايات المتحدة فى ظل انقسامات داخلية وصراعات ووباء عالمى. فى ظل هذا الوضع، ليس من المحتمل أن تحتل منطقة الشرق الأوسط أولوية لدى الإدارة الجديدة، ومن غير المرجح أن تستطيع إصلاح ما تسبب فيه ترامب، حتى تلك المصائب التى لقبها بايدن بالكارثية. على سبيل المثال، ليست إرادة بايدن وحدها كافية لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووى.. الخطوة التى من شأنها تغيير المنطقة بالكامل.
عندما كان بايدن يعمل فى إدارة أوباما، كان هناك إجماع أن استثمار الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط لم يؤت ثماره المرجوة، ولذلك اتبعت الولايات المتحدة سياسة حذرة تقلل من التزاماتها العسكرية والسياسية هناك. أما بمجىء ترامب، فيقول الكاتب أنه فى حين اتصفت سياسة ترامب فى الشرق الأوسط بالفوضوية، لكنه لم يغير الكثير، باستثناء خطاباته الصريحة عن استعداده لاستخدام القوة العسكرية. بايدن سيعاود استخدام الأدوات الدبلوماسية وسيعيد دور وزارة الخارجية الأمريكية بدلا من الاعتماد الزائد على الأشخاص فى عهد ترامب... فما يراه الكاتب هو أن الأوضاع فى الشرق الأوسط لم تتحسن، ولكن المشكلات الداخلية فى الولايات المتحدة وأولويات أخرى فى أوروبا وآسيا ستدفع بايدن إلى محاولة التوصل إلى حلول قائمة على الحوار.
يرى الكاتب أنه من المرجح أن تحتل سوريا مكانة مهمة فى سياسة إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط، ولمح إلى أنه سرعان ما عين بايدن مبعوثا خاصا للمنطقة... من المرجح أن يستمر الضغط الاقتصادى على نظام الأسد، ولكن على نظام الأسد أن يدرك ما يجب أن يفعله حتى يتم تخفيف العقوبات عليه مثل السماح بوضع وحدات عسكرية أمريكية صغيرة الحجم فى شمال شرق سوريا والتى من الممكن تقليص أو زيادة حجمها عبر الحدود العراقية إذا لزم الأمر. بعد هزيمة داعش، لن يوجد مبرر استراتيجى لبقاء مهمة الجيش الأمريكى أقوى من مبرر الحد من النفوذ الروسى، وحماية الحلفاء الأكراد، وإجبار دمشق على الامتثال لقرارات مجلس الأمن.
دور الولايات المتحدة فى سوريا سيعتمد على شكل علاقاتها مع تركيا وإسرائيل اللتين لديهما دور كبير فى الصراع وكذلك على سير المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووى. إذا استعادت الولايات المتحدة مكانتها فى سوريا فذلك سيعنى التقارب مع تركيا وتهدئة العلاقات مع إسرائيل والسعودية. وإذا لم يسر الأمر كذلك، فمن المتوقع أن يتفاقم الوضع فى الجنوب أو الشمال الشرقى فى سوريا حيث تزداد نفوذ تلك الدول.
وفقا للكاتب فميزان القوة الحقيقى على الأرض لا يسمح للولايات المتحدة بممارسة الضغط فى سوريا. ستستخدم واشنطن علم الولايات المتحدة فى الشمال الشرقى لإظهار حضورها، ولمواصلة الضغط على روسيا فى المفاوضات، وستواصل أيضا استخدام الورقة الكردية.
أما فى ليبيا فسيكون من السهل إجراء تعديلات فى سياسة أمريكا وتعزيز نشاطها الدبلوماسى. تركت الولايات المتحدة الأمر فى ليبيا للشركاء الأوروبيين واقتصر موقفها على شن الهجمات العسكرية ضد الأعمال الإرهابية. اهتمت الولايات المتحدة بمصالحها فقط وشاركت فى مؤتمرات الأمم المتحدة الفاشلة لحل الأزمة الليبية. الصراع فى ليبيا أظهر الانقسام الأوروبى، وسمح بالتدخل التركى والروسى، وسيكون على إدارة بايدن استغلال هذا الصراع لتحقيق الأجندة الأيديولوجية للحزب الديمقراطى، لذلك على بايدن أن يكون أكثر حسما لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ليبية فى ديسمبر 2021، وامتثال الأطراف الخارجية لنزع السلاح وفقا لقرار مجلس الأمن، إلى جانب الضغط على الجبهة الاقتصادية لاستمرار صادرات النفط وتوحيد نظام الصرف.
يقول الكاتب أنه فى روسيا، غالبا ما يتم تصوير التغيير القادم فى السياسة الخارجية للولايات المتحدة على أنه معاد لها. ومع ذلك، فإن إعادة تقييم سياسة الوليات المتحدة المقبلة تجاه الشرق الأوسط لا يمكن وصفها كليا بأنها جيدة أو سيئة بالنسبة لروسيا. بالطبع، ستخلق إدارة بايدن بعض الصعوبات لموسكو فى بعض القضايا، ولكن بسبب ما تختبره إدارة بايدن من أزمات داخلية فمن المرجح أن ينصب تركيزها على محاولات الوصول لحلول وسط.
يجادل الكاتب أنه من المرجح أن ينصب تركيز بايدن على سوريا، إلا أن التغيير فى الإدارة الأمريكية يأتى فى لحظة مميزة للسياسة الروسية فى سوريا. النجاحات التى كانت تعتمد على القوة العسكرية قد نفذت بالفعل. ساعد التعاون مع إيران وتركيا فى الأستانة على استعادة الحكومة السورية لمساحات شاسعة من أراضيها. ولكن بعد القضاء على العمليات الإرهابية، تقلصت قدرة روسيا على المناورة. ومع الاختلاف الروسى التركى حول إقليم كاراباخ، قد تبدأ تركيا فى التقرب من الولايات المتحدة.
لاتزال آفاق المفاوضات بشأن المصالحة الوطنية بين السوريين أنفسهم قاتمة. ففى السنوات الثلاث التى تلت قرار الإصلاح الدستورى لم يكن هناك تقدم كبير. استغرق تشكيل اللجنة الدستورية وحدها قرابة عامين من ممثلى الحكومة والمعارضة والمجتمع المدنى. تعثرت اجتماعات اللجنة الأخيرة فى جنيف فى نوفمبر وديسمبر 2020 فى المناقشات حول «الثوابت الوطنية»، وكثير منها لا علاقة له بالعملية الدستورية. الآن التهديدات الرئيسية لسوريا، التى تعانى من عقوبات شديدة ووباء، ليست عسكرية بقدر ما هى اقتصادية. يكافح معظم السوريين للبقاء على قيد الحياة فى مواجهة الارتفاع المستمر فى الأسعار ونقص الغذاء والدواء والكهرباء والوقود إلى جانب البنية التحتية المدمرة، وهو ما يتطلب تنازلات سياسية لإنعاش الاقتصاد السورى.
المجتمع السورى سئم الحرب ويقترب ممثلو النظام والمعارضة من الاتفاق على ثلاث نقاط: بدون روسيا لا يمكن أن يكون هناك حل سياسى، بدون تركيا لا يمكن وقف الأعمال العدائية، بدون الولايات المتحدة لا يمكن أن يتحقق الانتعاش الاقتصادى. كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية السورية، كلما احتاجت روسيا إلى أجندة جديدة فى سوريا حتى لا تكون انتصرت فى وقت الحرب وخسرت فى وقت السلم.
ترجمة عن الروسية وإعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى هنا