المخابرات الأمريكية غارقة فى البيروقراطية - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المخابرات الأمريكية غارقة فى البيروقراطية

نشر فى : الأربعاء 13 يناير 2010 - 10:09 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 يناير 2010 - 10:09 ص

 على وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن تواجه بعض التساؤلات المؤلمة هذا الأسبوع حول أدائها: كيف استطاع مفجر انتحارى ركوب الطائرة إلى ديترويت على الرغم من توجيه تحذير قوى إلى أحد فروع الوكالة من أنه ربما يكون إرهابيا؟.. وكيف استطاع عميل أردنى مزدوج التسلل إلى قاعدة للسى آى إيه فى أفغانستان وقتل سبعة من موظفى الوكالة؟

وعندما أتحدث إلى ضباط محنكين فى مكافحة الإرهاب، أستمع إلى موضوع مشترك يربط بين هاتين السقطتين: اتخذت السى آى إيه تدابير بيروقراطية، بقصد تجنب الأخطاء، بيد أنها فى الواقع تزيد من المخاطر. ووفقا لتعبير أحد ضباط السى آى إيه المخضرمين: «لديك نظامٌ محاصَر».

وعلى الرغم من أن الحالتين مختلفتان تماما، إلا أنهما توضحان ما يمكن أن يحدث عندما يكون مديرو المخابرات حريصين على النتائج غير أنهم يتخوفون من المخاطر. والنتيجة هى انهيار فى العمل السرى يمكن أن تكون له عواقب وخيمة. وفى نفس الوقت، زادت عملية إعادة تنظيم المخابرات من تفاقم مشكلة البيروقراطية.

فمحاولة التفجير التى قام بها عمر الفاروق عبدالمطلب عشية عيد الميلاد هى تاريخ من القرائن المفقودة وسط عاصفة من المعلومات. حيث أرسل والد الشاب تحذيرا عنيفا فى نوفمبر لمسئولى المخابرات المركزية الأمريكية فى نيجيريا: «لقد تحول ابنه إلى متطرف فى اليمن، وهو يمثل تهديدا أمنيا».

وقام ضباط الوكالة بالتحرك المناسب، من الناحية البيروقراطية، فقد نبهوا وزارة الخارجية، ورفعوا الرسائل إلى التسلسل القيادى فى السى آى إيه.

وأرسل مسئول السى آى إيه فى نيجيريا برقية إلى مركز مكافحة الإرهاب فى الوكالة، الذى جمع بيانات للسيرة الذاتية وصورة. وأرسلت النسخ إلى المركز القومى لمكافحة الإرهاب، وهو كيان بيروقراطى مستقل (ويمكن القول إنه زائد عن الحاجة) يرأسه مدير الجهاز القومى للمخابرات. وكان من الممكن أن يضغط المحللون فى أى من هذين الجهازين لإضافة اسم عبدالمطلب إلى قائمة الممنوعين من ركوب الطائرات. إلا إنهم لم يفعلوا.

وقام مسئولو وزارة الخارجية أيضا بالتصرف الصحيح، من الناحية الفنية؛ فقد أدرجوا اسم عبدالمطلب على نظام «تأشيرة الأفعى» (الذى يضم بيانات الإرهابيين أو المشتبه بكونهم إرهابيين)، حتى تراجعه القيادات. وصار النيجيرى الآن عائما فى بحر من البيانات التى يطلق عليها قاعدة بيانات هويات الإرهابيين، وتضم خمسة آلاف اسم (مقارنة بنحو أربعة آلاف اسم للمنوعين من ركوب الطائرات.)

فكيف صارت قاعدة البيانات الكبيرة معطلة لهذا الحد؟.. تخمن مصادرى أن السفارات فى أنحاء العالم ترسل فى المتوسط «تأشيرة أفعى» واحدة يوميا، وهناك 180 سفارة. ويمكنك أن تدرك الجهد البالغ: فالجميع يغطون أنفسهم بإرسال تحذيرات، ولكن لا أحد منهم يجد وقتا لدق ناقوس الخطر. وكما يفسر أحد الضباط المخضرمين فى الوكالة: «المشكلة هى أن النظام مثقل بالمعلومات.

ومعظمها لا أهمية له، غير أن الناس يخشون ألا يدرجونها.» ومن المفترض أن يراجع مركز مكافحة الإرهاب أكثر من 120 قاعدة بيانات، وأن يعالج كبار الموظفين هناك ما يتراوح بين عشرة آلاف واثنى عشر ألف معلومة يوميا، ويمكن أن تتلقى المراكز الكبرى عدة آلاف من البرقيات يوميا. فليس من المستغرب أن تضيع التهديدات الحقيقية وسط الضوضاء.

أما تفجير خوست فهو حالة أكثر مأساوية لانحراف النوايا الحسنة. والسؤال الذى يجب أن يطرح هو عن سبب السماح للانتحارى بدخول قاعدة الوكالة فى شرق أفغانستان. ويلتقى ضباط الوكالة فى العادة بمصادرهم فى مواقع سرية «ملاذات آمنة» حيث إنهم معروفون، وفى سيارات بيك آب خارج السفارة أو القاعدة العسكرية.

والسبب فى ذلك هو الأمن. فلا ينبغى أن يرى العميل الكثير من وجوه وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية، والعكس صحيح.

ولكن تلك القواعد القياسية للتعامل مع العملاء تعرضت للانتهاك على نحو روتينى، فى العراق والآن فى أفغانستان، لأن مسئولين كبارا توصلوا إلى أن الوضع خطير للغاية خارج الأسوار.

ووفقا لتقدير أحد ضباط الوكالة المخضرمين، فإن 90٪ على الأقل من جميع لقاءات العملاء تجرى فى القواعد. ومن المفهوم أن الوكالة تريد حماية رجالها لكن هذا النظام يعمل فعليا باتجاه زيادة التعرض للخطر.

وتوضح مأساة خوست أنه ينبغى على السى آى إيه أن تأخذ تهديد التجسس المضاد من القاعدة على نحو أكثر جدية. فقد حذرت تقارير المخابرات طوال العام الماضى من أن الجماعات المرتبطة بالقاعدة ترسل عملاء مزدوجين لاختراق قواعد السى آى إيه فى أفغانستان.

وفى هذه الحالة، ونظرا لعلم القاعدة بتعطش الوكالة إلى معلومات استخباراتية عن موقع كبار قادتها، قامت بتحويل عميل أردنى مزدوج إلى عميل ثلاثى، من الواضح أنه ادعى امتلاكه لمثل تلك المعلومات ثم قامت بإنزاله أمام فريق المخابرات فى خوست. وعندها: وقعت الكارثة.

ويستحق ضباط السى آى إيه الشجعان الذين يعملون فى الخارج نظاما أفضل من هذا. حيث كان وليام كيسى مدير السى آى إيه السابق يصر على أن يقرأ الموظفون فى كلاسيكيات الإدارة بحثا عن التميز من أجل تشجيع كل ضابط على تحمل المسئولية الشخصية عن حل المشكلات، بدلا من ركلها إلى الشخص الذى يليه فى المرتبة.

وعلى ليون بانيتا مدير المخابرات المركزية الأمريكية استغلال هذه الأحداث المؤلمة لتعزيز ثقافة المبادرة والمساءلة إذا كانت السى آى إيه تريد أن تؤدى عملها بنجاح، غير أنها تحتاج قيادة وإصلاحا.
Washington Post Writers Group





التعليقات