نشر مركز كارنيجى أوروبا مقالا للكاتب بيتر كيلنر رأى فيه أن قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبى لم يكن مدروسا، وما ينادى به الآن جونسون من مصطلح «بريطانيا العالمية» هو فى الواقع وهم.. نعرض منه ما يلى.
يصعب المقارنة بين ما يحدث فى بريطانيا من نقص للطعام والأحداث المروعة التى تحدث فى كابول وما تعانيه أكثر من 4 آلاف أسرة هناك. تثير كلتا القصتين سؤالا مهما، بعد أن أدارت واشنطن ظهرها للندن، وأدارت لندن ظهرها لبروكسل، ما هو مكان بريطانيا فى العالم؟
فى السنوات الأخيرة، معظم الإجابات استندت إلى وهمين كافحت حكومة بوريس جونسون من أجل إقناع العالم بهما: أن المملكة المتحدة لديها علاقة خاصة مع الولايات المتحدة، وأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى من شأنه أن يعزز الرخاء فى الداخل ونفوذ بريطانيا فى الخارج. جمع جونسون هذه المفاهيم فى مصطلح طموح «بريطانيا العالمية».
ولكن رحيل القوات الأمريكية من كابول وأزمة نقص الغذاء كشفا أوهام بريطانيا العالمية. أصبح المصطلح مثار سخرية، مثلما فعل مصطلح تونى بلير «الطريق الثالث» قبل عشرين عامًا و«المجتمع الكبير» لدايفيد كاميرون قبل عشر سنوات، وعلى بالرغم مما اعتنقه المصطلحان من أفكار جديرة بالاحترام ــ سعى بلير إلى التخلص من الصراع القديم بين «اليسار» و«اليمين»، ومحاولة كاميرون توسيع دور العمل المجتمعى. إطلاق مثل هذه المصطلحات تواجهه تحديات؛ حيث يجب تثبيت جذور المصطلح والحصول على احترام المجتمع له قبل أن يغرقه منتقدوه فى السخرية. بلير وكاميرون فشلا، جونسون فى طريقه للحاق بهم.
ما تحولت إليه الأوضاع فى أفغانستان مثّل صدمة، مع سرعة سيطرة طالبان على الحكم، إلى جانب اتخاذ الرئيس الأمريكى جو بايدن قرارات حاسمة دون استشارة حلفاء الولايات المتحدة. تُركت بريطانيا وحيدة فى كل هذا. ومع ذلك، تدعى المملكة المتحدة أنها تمتلك أفضل الأجهزة الدبلوماسية والاستخباراتية فى العالم، وأيضًا أن لها «علاقة خاصة» مع الولايات المتحدة. كل هذا لم يمنع إذلالها فى الأسابيع الأخيرة.
جاءت أسوأ لحظة لجونسون عندما أجرى اجتماعا افتراضيا لمجموعة السبع، فى ظل رئاسة بريطانيا لمجموعة السبع، لتحديد المسار فى أفغانستان. كان هدفه الرئيسى والمعلن هو إقناع بايدن بتمديد الموعد النهائى لمغادرة مطار كابول إلى ما بعد 31 أغسطس 2021. رفض بايدن التمديد رفضًا باتا. ليست المفاجأة هنا هو تغير موقف أمريكا المفاجئ تجاه حلفائها، ولكن المفاجأة كانت لرئيس الوزراء المتشبث بوهم المكانة الفريدة للندن فى أروقة السلطة فى واشنطن.
من المرجح أن تستمر أزمة نقص الطعام حتى الكريسماس، والذى يرجع إلى عدد من الأسباب ليس أقلها تأثير فيروس كورونا على حياة الناس ووظائفهم. فالعديد من مواطنى الاتحاد الأوروبى الذين قادوا شاحنات من وإلى وداخل بريطانيا عادوا إلى بلدانهم الأصلية، ولم يأت عمال الاتحاد الأوروبى الموسميون إلى المملكة المتحدة للمساعدة فى المزارع والبساتين فى بريطانيا، إلى جانب الكثير من النقص فى العمالة ناتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
بدأت التوترات السياسية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى الظهور. انتقد آرتشى نورمان، رئيس ماركس آند سبنسر، فى صحيفة «ذا ميل» البريطانية الروتين اليومى الذى يخنق استيراد وتصدير الغذاء من وإلى الاتحاد الأوروبى، إلى جانب النقص فى سائقى الشاحنات. ودعمت المقالة الافتتاحية للصحيفة ذاتها وجهة نظره. صحيح أن نورمان انتقد أيضًا قواعد الاتحاد الأوروبى التى عفا عليها الزمن، إلا أن الحقيقة هى أن المملكة المتحدة اختارت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، كما هو الحال مع العديد من قراراتها، دون فهم العواقب الكاملة.
بالنظر إلى كل هذا، ماذا يجب أن يكون مكان بريطانيا الآن فى العالم؟ يعد مقال ويليام هيج فى صحيفة التايمز انطلاقة جيدة للإجابة على هذا السؤال. كان هيج وزيرا لخارجية بريطانيا من عام 2010 إلى عام 2014، ويُقال الآن إنه مرشح بريطانى محتمل لمنصب الأمين العام القادم لحلف شمال الأطلسى. مع نقده الضمنى لخروج بريطانيا من الاتحاد، بالإضافة إلى التفكير فى دروس أفغانستان، جادل هيج بأن بريطانيا يجب أن تتعاون مع الدول الأخرى لخدمة عقيدة واضحة للمشاركة الدولية. وتوصل إلى أن «الموقف الصحيح للديمقراطيات الغربية هو الاستعداد للتدخل عندما يتطلب ذلك أمننا أو إنسانيتنا المشتركة. وهذا يعنى الحفاظ على القوات المسلحة مجهزة لمثل هذا العمل، ولكنه يتطلب أيضًا القوة السياسية لجعل كل من يعادى الدول الحرة خائفا مما قد نفعله».
ماذا سيعنى فكرة دور بريطانيا المستقبلى من الناحية العملية؟ قدم هيج مثالًا ملموسًا: «القرصنة التى بدأت تعصف بالشحن فى المحيط الهندى هُزمت من قبل قوة عسكرية دولية تم تنسيقها مع الدول الأفريقية ومقرها فى بريطانيا». قبل عقد من الزمان، كانت القرصنة مشكلة كبيرة؛ حيث عطلت أحد طرق الشحن الرئيسية فى العالم، ولم نعد نسمع عنها بسبب نجاح عملية أتلانتا.
إذا اعتبر هذا نموذجًا للعمل الدولى المستقبلى، فقد أغفل هيج حقيقتين؛ الأولى هى أن عملية أتلانتا أنشأها وأدارها الاتحاد الأوروبى. والثانية هى أنها لا تزال تعمل، ولكن دور المملكة المتحدة فيها الآن يتضاءل. منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، انتقل المقر التشغيلى لأتلانتا إلى إسبانيا.
هذا مجرد مثال واحد على كيف تعمل «بريطانيا العالمية».
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bit.ly/3amQyRZ