فى أوروبا.. حان وقت الشاى - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى أوروبا.. حان وقت الشاى

نشر فى : الأحد 14 فبراير 2010 - 10:22 ص | آخر تحديث : الأحد 14 فبراير 2010 - 10:22 ص

 دعونى أطرح الاقتراح التالى، على الرغم مما يكتنفه من مخاطر المغالاة فى رد الفعل المعاكس: يحتاج الاقتصاد العالمى إلى ظهور «حركة حفل الشاى» فى أوروبا، كى تقوم بالضغط للحد من الإنفاق.

يهزأ الكثير من اقتصاديى التيار السائد من محرضى «حركة حفل الشاى» فى أمريكا، باعتبارهم مجموعة هامشية من اليمينيين. وهم محقون فى ذلك فى العديد من النواحى. ولا أحب أن أرى هؤلاء يديرون وزارة الخزانة الأمريكية أو بنك الاحتياط الفيدرالى.

لكن هؤلاء الشعبويين يقومون بوظيفة مفيدة هى جذب اهتمام الأمريكيين السياسى نحو أهمية التحلى بالمسئولية المالية. وهم يطرحون حججا منطقية، عندما يقولون مثلا إنه يجب عدم إضافة برنامج استحقاق جديد فيما يتعلق بالرعاية الصحية قبل تحديد كيفية تغطية تكلفة البرنامج الحالى.

وتفتقر أوروبا إلى هذا النوع من الحركات المحافظة القوية التى يمكن أن تقيد الإنفاق الحكومى. غير أنه بالنظر إلى خبرات أوروبا فى القرن الماضى فيما يتعلق بالشعبوية اليمينية المسمومة، يمكننا أن نتفهم هذا الحذر. لكن ذلك يعنى أن أوروبا تفتقر إلى وجود صوت قوى، يدعو إلى تقليص الإنفاق العام والديون.

وفى العديد من النواحى، تُعد أوروبا أرض العجائب فيما يتعلق بالاقتصاد. ذلك أن لديها بنكا مركزيا واحدا لإدارة السياسة النقدية المشتركة، ولديها عملة واحدة. ومع ذلك هناك العديد من وزراء المالية الذين يتبنون سياسات مالية متباينة، يمكن تلخيص الكثير منها كما يلى: أنفق، أنفق، أنفق. وفيما يتعلق بالأوضاع المالية، تُعد أوروبا بمثابة حصان ليس له من يروضه.

وسوف يظل المستثمرون يقبلون هذه الأوضاع الهشة، إلى أن تأتى لحظة يشعرون خلالها بالهلع أيًا كانت الأسباب الغامضة وراء ذلك ويقررون أن الوضع لا يمكن تحمله. وقد شهدنا ذلك خلال الأسابيع الماضية، حيث بدأت الأسواق المالية تطلق صرخة غضب جماعية إزاء الدين الأوروبى والفوضى المالية.

وقد تركز الاهتمام على ديون أربع دول، هى البرتغال وأيرلندا واليونان وإسبانيا، بينما يضيف البعض إيطاليا إلى هذه الدول. غير أن الدين ليس سوى جزء من المشكلة، حيث إن نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى كانت العام الماضى فى الهند البلد الذى يحقق نموًا 85%، وهو ما يفوق نسبة الدين فى البرتغال (76%) وأيرلندا (61%)، بل وإسبانيا (57%). وتتمثل المشكلة الأكبر فى أنه فى البلدان الأوروبية ذات النمو البطىء هناك افتقار إلى الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة الإنفاق العام ووضع السياسة المالية فى طريق سليم.

وكان تحليل ميرفين كينج، محافظ بنك إنجلترا المركزى، حول مشكلة عدم التوازن المالى العالمى، هو أفضل ما رأيت. وربما أكون منحازا، حيث كان كينج يدرس لى الاقتصاد فى فترة الدراسات العليا لكننى أعتقد أن كينج هو الأكثر حكمة بين محافظى البنوك المركزية. وقد أثار إعجابى بشكل خاص خطاب ألقاه فى 19 يناير، وهو متاح فى الموقع الالكترونى لبنك إنجلترا المركزى.

وقف كينج على أبعاد المشكلة الأساسية عبر الإشارة إلى لعبة صغيرة أطلق عليها «سودوكو للاقتصاديين». وأشار إلى أنها «شكل بسيط يضم تسعة مربعات تلخص التفاعل بين الدول ذات المدخرات العالية (الصين والعديد من الدول الآسيوية الأخرى) والدول ذات المدخرات المنخفضة (أمريكا وأوروبا)». ووفقا لصيغة كينج، يمثل الطلب الكلى (إجمالى الناتج المحلى) محصلة الطلب المحلى وصافى التجارة. وتتوازن أعداد السودوكو فقط عندما تتطابق الفوائض الكبيرة لدى الدول عالية الادخار مع العجز لدى الدول ذات الادخار المحدود. لكنه كما رأينا، لا يتميز هذا المزيج بالاستدامة. ذلك أن النظام غير المتوازن قد انهار فى 2008 و2009.

ويقول كينج: إن الفوائض الآسيوية «كبيرة إلى الدرجة التى تجعل من الصعب استمرارها». لكنه يحذر من أن «السودوكو للاقتصاديين تبين أن المشكلة سياسية، لا فنية فى الأساس»، حيث يجب أن «تحد الدول قليلة الادخار من استدانتها الخارجية» وأن تتوقف عن لعب «دور مستهلك الملاذ الأخير».

لكن كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الضبط السياسى؟ يحيلنا ذلك ثانية إلى «حركة حفل الشاى». ويبين النجاح الذى حققه ذوو النزعة المالية المحافظة فى الانتخابات الأخيرة فى فيرجينيا ونيو جيرسى وماساتشوستس أن السياسيين فى الولايات المتحدة يجب أن يولوا قضايا الدين والعجز المزيد من الاهتمام، إذا كان لهم أن يبقوا فى الحكم. ويبدو أن الرئيس أوباما يدرك أهمية هذه القضية بالنسبة للتيار السائد من الناخبين، بدليل تعهده بتشكيل لجنة لمعالجة المشكلة طويلة الأجل المتعلقة بالإنفاق على برامج الاستحقاقات الاجتماعية.

لكننى لا أرى ضغوطا سياسية مثيلة فى أوروبا. ذلك أن القادة الأوروبيين فى الأغلب مازالوا يحاولون عبثا تجنب يوم الحساب السياسى. ويبدو أن القليل من الأوروبيين، سياسيين كانوا أو محافظين، على استعداد للتخلى عن نصيبهم فى حزمة الاستحقاقات الاجتماعية التى تمثل جزءا من الميثاق الاجتماعى الديمقراطى الحديث.

وعلى الرغم من أننى لا أتمنى لأى من هذه الدول «حركة حفل الشاى»، فإن على الأوروبيين أن يستفيدوا من ولع هذه الحركة بالمسئولية الاجتماعية. وإذا فكرنا بطريقة معاكسة، ماذا لو نشأت حركة «المستهلك الاستعراضى» فى الدول الآسيوية عالية الادخار من أجل الضغط لزيادة الإنفاق هناك؟

التعليقات