يا رب أتجوز! - رضوى أسامة - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 3:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يا رب أتجوز!

نشر فى : الأربعاء 14 يوليه 2010 - 10:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 يوليه 2010 - 10:00 ص

 دفعتنى الرغبة للتأمل إلى مشاهدة فيلم «بنتين من مصر» للمخرج محمد أمين، كنت أعرف مسبقا أن الفيلم يناقش قضية العنوسة، أخذت صديقتى وذهبنا، السينما مليئة بالبنات اللاتى كنت أستمع إلى بكائهن، معظمهن لم يدخل ما يسمى بسن العنوسة.

لست بصدد مناقشة الفيلم أو التحدث عن جمالياته، فقط أود مناقشة ما أثاره الفيلم داخلى وداخل فتيات تناقشت معهن حول الفكرة، أن تعيش بلا رجل لفترة ما هى أقصى مخاوف الكثيرات، الخوف من عدم الزواج فكرة تجتر الكثير والكثير من الآلام، وتكاد تدفع بالبعض إلى الجنون والاكتئاب.

أعرف كثيرات لم تتعد أعمارهن الثلاثين دفعن بأنفسهن إلى علاقات فاشلة وغير مقنعة لهن أو لذويهن لمجرد الخوف من عدم الارتباط.

أتذكر نقاشا قديما مع صديقة ونحن فى الثالثة والعشرين من العمر، كانت تتزوج من شخص بعيد عن كل ما تحلم لأنها ترى أن تلك هى السن المناسبة للزواج، وأنها ربما تتأخر ولا تجد أحدا، فيمكنها الآن اقتناص الفرصة.

نجتر فكرة عدم وجود أحد ونغذى الخوف من ذلك، لكننا لا نناقش بجرأة البدائل فلنفكر «ماذا لو لم نجد آخر؟» صدقى أن الحياة لن تتوقف، أعرف أن تكوين أسرة حلم خاص يكمن داخلنا لكننا لا نبحث له عن بدائل، أن نفرغ تلك الطاقات الممتلئة عن آخرها فى شىء، الرغبة فى أن أحتضن طفلا، أن يحتضننى أحد، أن أفرق فى حياة أحدهم، أن أصنع وجبة دافئة فتثير فى داخل أحد امتنانا، أن يسألنى أحدهم عن مكانى، أن يمنحنى وردة.

أظن أن هذه احتياجات مختلفة يشبعها ذلك الآخر الذى لا يأتى للكثيرات. وأظن أننا نستطيع التعامل مع هذه الاحتياجات ليس بإنكارها بل بالبحث عن بدائل لها، أقرر بشكل شخصى أننى لو لم أتزوج سأتكفل بطفل يتيم، يمنحنى دفئا وأطبخ له وجبة ساخنة تثير امتنانه، وأكون أسرة، لا أرى الأمر تراجيديا كما تراه الكثيرات.

فى الفيلم كانت تجلس بجوارى بنتان فى العشرين من عمرهما كما ذكرتا، وفى المشهد الذى يطلب فيه الخطيب من خطيبته أن تذهب معه لطبيبة نساء للتأكد معها من شرفها ومن وجود غشاء البكارة، كانت البنت تهمس لصديقتها: « تفتكرى أنا ممكن أضطر أعمل كده فى يوم من الأيام؟»، وجعتنى جملتها أكثر بكثير من المشهد الموجع للبطلة وهى تفتح رجليها لطبيبة النساء لتكشف عن بكارتها.

كنت أرى مرضا شديدا ذلك الذى يدفع بنتا فى مقتبل عمرها تبحث عن الاكتمال فقط من خلال علاقتها بالآخر، كنت أريد أن أتحدث معها بعد الفيلم عن عشرات الأشياء التى يمكن أن تشغل وقتها ولا تجتر آلام العنوسة، كنت أريد أن أقول لها إن هناك آلاف الأعمال التطوعية التى يمكن أن تشترك فيها، وهناك آلاف من الأيتام فى الملاجئ يمكن أن تشغل تلك المساحة الفارغة فى حضنها، وهناك مساحة داخلها لم تكتشفها بعد تكمن فيها موهبة حقيقية تحتاج إلى الاكتمال، كنت أريد أن أطمئنها أن الحياة ليست بهذا السوء، لأننا من المفترض أن نقاوم، كنت أريد أن أحكى معها عن آليات المقاومة.

على الرغم من نتائج الدراسات التى تؤكد أن المتزوجات أكثر سعادة من غير المتزوجات، فإننى أرى أن الأمر يتعلق بأسلوب الحياة ونمط التفكير الذى تعيش به كل من المتزوجة وغير المتزوجة، كلتاهما تعيش بفكرة أن الآخر سيكملهما.

بالأمس كنت فى زيارة عائلية، وكنت أستمع إلى حكاية بنت من بنات العائلة ومغامرات البحث عن رجل مناسب، وجلسات الصالون المسائية ومقابلات العرسان وعدم النضج الذى أصبح من أهم سمات الكثيرات والكثيرين.

لست مع إنكار الاحتياج لآخر، لكننى مع التعامل مع هذا الاحتياج بكفاءة حتى لا تتوقف حياتنا بأكملها على أحد. ومن أكثر الأفكار كفاءة والتى تصنع تغييرا حقيقيا أن أعترف بالضعف وأضع فى الجملة نفسها طريقة تجعلنى أتعامل مع ضعفى، فأقول مثلا: «أعرف أننى أحبك لكنك لست مناسبا لى وأعرف أننى سأتعامل مع مشاعرى».. «أنتظرك لكنى سأستطيع التعامل بكفاءة مع احتياجى وسأفعل أشياء حقيقية».

قضية العنوسة داخلنا تحتاج إلى وقفة كبيرة مع النفس نخرج منها الكثير والكثير من المخاوف ونحولها إلى أفكار يمكننا أن نتعامل معها بجرأة ونتحداها رغم الألم.

رضوى أسامة باحثة نفسية
التعليقات