القائد العام الخفى - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القائد العام الخفى

نشر فى : الأربعاء 14 سبتمبر 2011 - 11:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 سبتمبر 2011 - 11:20 ص

من الغرائب المثيرة لرئاسة باراك أوباما أن هذا الديمقراطى الليبرالى، الذى عُرف قبل انتخابات 2008 بمعاداته للحرب، يدير حروب أمريكا السرية بارتياح بالغ. وأسلوبه فى القيادة ــ واستمراره فى تبنى سياسات الأمن القومى التى كان ينتهجها سلفه جورج بوش ــ يستعصى على فهم أصدقائه وخصومه. فما الذى آلت إليه طريقة «التغيير الذى نؤمن به» التى عبر عنها عندما كان مرشحا؟ ربما كانت الإجابة أنه اختفى فى العالم السرى لرئاسة ما بعد الحادى عشر من سبتمبر.

لقد استهلك أوباما استخباراته منذ اليوم الذى تسلم فيه السلطة: كثف هجمات طائرات بريديتور بدون طيار على باكستان اعتبارا من 2009. ووافق على الغارة الجريئة على ابوت اباد التى أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن فى الثانى من مايو.

بل إن أوباما يطلب نصيحة محللى المخابرات قبل خطاباته المهمة، مثل خطابه الشهير فى القاهرة فى أبريل 2009،. إن أوباما هو القائد العام والمحرك الخفى معا. وهو لا يلجأ إلى خطابات التلويح بالعلم لإعلان أن «المهمة أنجزت»، التى كان يستخدمها سلفه، حتى رد فعله على مقتل بن لادن جاء هادئا نسبيا. وإذا ما شاهدت أوباما، المتحفظ والمراوغ الذى يؤرخ كتاب «أحلام من أبى» لهويته المزدوجة، لابد وأن تتساءل إن كان العالم السرى يجتذبه. فهو غامض، إلى حد الجنون أحيانا، كما لو كان عميلا للمخابرات.

ومن المؤكد أن المخابرات منطقة يبدو فيها الرئيس واثقا ومقداما. فجيمس كلابر، مدير الاستخبارات القومية الذى يدير وكالات الاستخبارات منذ أكثر من عشرين عاما، يعتبر أوباما «مستخدما وخبيرا غير عادى بالاستخبارات». وعندما يقدم كلابر ملخصاته إلى الرئيس كل صباح، يضيف المزيد من المواد ليشبع نهم الرئيس للمعلومات.

كما أن هذا رئيس يكافئ هيئته السرية على قيامها بأعمال خفية. وقد فقد سلف كلابر، الأدميرال دنيس بلير، حظوته، لأنه حاول أن يفرض نفسه على سلسلة الأعمال الخفية. وكان هذا تجاوزا لأوباما، الذى يقول معاونوه إنه يعتبر العمل الخفى شراكة فريدة مع السى آى إيه.

وتتمثل العلامة الأخرى على ولع أوباما بالعالم السرى فى قراره بتعيين ديفيد بتريوس مديرا للاستخبارات المركزية. فالرئيس يبدو وكأنه يصعد العمليات الاستخباراتية وشبه العسكرية، تحت قيادة ألمع قادة الأمة العسكريين، حتى وهو يسحب القوات النظامية من العراق وأفغانستان.

ويصف بوب وودووردز فى كتابه «حروب أوباما» كيف تلقى الرئيس المنتظر أكثر أسرار الأمة حساسية فى السادس من نوفمبر 2008، بعد يومين من انتخابه وقبل تنصيبه. وقال لأحد مساعديه فى وقت لاحق «إننى أرث عالما يمكن أن ينفجر فى أى دقيقة بأكثر من خمس طرق». وقد بدأ اوباما على الفور فى إتقان أدوات مكافحة الإرهاب.

وكانت أولوية الاستخبارات أوضح ما تكون فى غارة ابوت اباد. ويصف توم شانكر واريك شميت، من نيويورك تايمز، فى كتابهما «الضربة المضادة»، كيف قُدم لأوباما ثلاثة خيارات فى 28 أبريل: هجوم بالمروحيات على المجمع، أو هجوم أكثر أمانا بطائرات بريديتور بدون طيار، أو الانتظار حتى يتوفر المزيد من المعلومات للتأكد من وجود بن لادن. وبعد مداولات استمرت لست عشرة ساعة، اختار اوباما الخيار الأول، والأكثر خطورة.

ولربما يساعد مستوى ارتياح اوباما مع دور استخباراته فى تفسير لماذا جاءت أجزاء أخرى من عمله أقل إتقانا. فهو يميل إلى اتخاذ قراراته سرا، حيث يمتلك سلطات القائد العام التى لا تنازع. وهو يحب المعلومات، الخام وذات الصلة الوثيقة بالموضوع قدر الإمكان، ولا صبر له على النقاشات السياسية العاصفة. وهو يحب العمل، خاصة عندما لا يترك بصمات.

أما ما يكرهه هذا الرئيس ــ ولا يجيده ــ فهو المساومات السياسية. فهو صانع صفقات سىء بقدر سوء جورج سمايلى. والأجزاء السياسية الروتينية من عمله تبدو له مملة أحيانا، وربما يعود هذا إلى أنها تبدو تافهة مقارنة بالأنشطة السرية التى يديرها كل صباح. وآه لو أمكن تنفيذ السياسة الاقتصادية بنفس قدر برود ونظافة طلعات بريديتور.

إن للعالم السرى إغواؤه الذى فتن أجيالا من الرؤساء ومستشاريهم. فمن الأسهل سحب الروافع فى الظلام، وإدارة مفاتيح ما أطلق عليه مسئول بالاستخبارات المركزية ذات يوم «فورلينزر» العمل الخفى «العظيم». أما السياسة فعملية تنطوى على قدر أكبر من الفوضوية والقذارة ــ فى العلن، يجرى عقد الصفقات مع الفتوات والمتباهين. لكن هذا جزء من العمل الذى يجب أن يجيده أوباما إذا أراد الفوز بفترة رئاسية أخرى.

ومع حلول ذكرى الحادى عشر من سبتمبر 2001، يمكننا القول إن من حسن حظ أمريكا أن يحكمها رئيس ماهر فى أمور الاستخبارات. لكنها بحاجة أيضا إلى زعيم قادر على إخراج البلاد من الظلمات إلى النور.

التعليقات